لعل من المناسب قبل ذكر أبرز المفسرين المستدركين على النحاة وبيان طرائقهم في الاستدراك، الإشارةَ إلى مراحل التفكير النحويِّ في كتُب التفسير، ويمكن اعتماد التقسيم الذي ذكَره الدكتور إبراهيم رفيدة[1].
حيث قسمها ست مراحل، وهي:
المرحلة الأولى: ويُمثِّلها مؤلِّفو (كتب معاني القرآن)، كالفراء والأخفش والزجاج.
المرحلة الثانية: أصالة التفكير النحوي، وهي بداية استقرار التحوُّل من التفسير الأثري الخالص إلى التفسير الفني الجامع (الرُّماني- النقَّاش- ابن جرير الطبري- تفسير البرهان للحوفي- التحصيل للمهدوي- البسيط للواحدي- الكشاف للزمخشري).
المرحلة الثالثة: أئمَّة كِبار التفسير (المحرِّر الوجيز لابن عطية- التفسير الكبير للرازي- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- تبصرة المتذكِّر للكواشي- أنوار التنزيل للبيضاوي – مدارك التأويل للنسفي).
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة الشرح والتقويم والنقد، ويمثِّلها الإمام أبو حيان الأندلسي.
المرحلة الخامسة: وهي مرحلة الاختصارات والحواشي، كتفسير الجلالين للمحلي والسيوطي، والجواهر الحسان للثعالبي، والسراج المنير للخطيب الشربيني، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (عناية القاضي وكفاية الراضي)، وغيرها.
المرحلة السادسة: نزعة الإحياء والنقد والتجديد في العصر الحديث (تفسير الشوكاني “فتح القدير”- وتفسير الألوسي “روح البيان”- التحرير والتنوير لابن عاشور- تفسير المنار لرشيد رضا- محاسن التأويل للقاسمي- تفسير المراغي).
وقد تعدَّدت مناهج المفسرين في تناولهم للنحو والإعراب بين مُقلٍّ، ومكثِر، ومعتدل مقتصِر على المحتاج إليه مِن ذلك فقط، وكان لكثير من المفسرين آراؤهم الواضحة في بعض القضايا النحوية، وقد تكون معارضةً في أحايين كثيرة لنظرة النحاة لتلك القضايا، من ذلك نظَرُ المفسِّرين لبعض القراءات القرآنية، واعتراضهم على النحويين الرافضين لها، ومن المشهور اختلاف النحاة المتقدمين والمتأخرين في موقفهم من القِراءات، وتأثر كثير من النحويين وأخذهم من كتب التفسير في تلك القضية، بل نقلها النحاة في كتبهم، فأفادوا منها أو نقدوها؛ ممَّا يبيِّن تضافر عِلمَي التفسير والنحو، وقد وُجِد كذلك في كتب النحاة كثيرٌ من الاستِدراكات على المفسِّرين[2]، وفي كِتاب سيبويه، وكذلك المقتضب للمبرِّد حِكايةٌ لعِدَّة آراء عن المفسِّرين[3].
وممَّن توسَّع من النحاة في النقل عن المفسرين: العلامة النحويُّ ابن هشام، ولعلَّ معالِم منهج نقل النحاة عن المفسرين تحتاج إلى دراسة وافية[4]؛ مما يدل على وثيق الصلة بين النحويين والمفسِّرين وارتباط أقوالهم ببعضها. ومع ذلك فقد أثبت الدكتور إبراهيم رفيدة ملاحظةً جديرةً بالتأمل، وهي: عدم توسُّع كتب النحو في نقل آراء المفسرين النحوية، بخلاف العكس، وهو أمر طبيعي؛ إذ مرجع المسائل النحوية هو كتُب النحو وليس كتُب التفسير، وما في كتب التفسير من النحو هو في أساسه من آراء النحويين وكتبهم[5].
[1] النحو وكتب التفسير، لإبراهيم عبد الله رفيدة (1/10)، أشار في هذا الموطن فقط إلى المرحلة الأولى، وبقية الكتاب تفصيل لبقية المراحل.
[2] يُنظر على سبيل المثال: شرح التسهيل المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد»، محمد بن يوسف بن أحمد، محب الدين الحلبي ثم المصري، المعروف بناظر الجيش (المتوفى: 778 هـ)، دراسة وتحقيق: أ. د. علي محمد فاخر وآخرون، الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1428 هـ (9/ 4481)، وموصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، للشيخ خالد الأزهري، المحقق: عبد الكريم مجاهد، الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1415هـ 1996م. (ص: 146)، و(ص: 150)، ويُنظر أيضًا: الأشباه والنظائر في النحو، للسيوطي ط. دار الكتب العلمية، ط. الأولى، 1411هـ – 1990م. (3/ 269)، و(3/ 282)، و(3/ 284)، و(4/ 79)، و(4/ 79). وغير ذلك من المواضع الكثيرة في كتُب النحو.
[3] ينظر: الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (المتوفى: 180هـ)، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ – 1988 م (2/ 154)، و(3/ 127)، و(3/ 138)، و(3/ 242)، المقتضب، للمبرِّد (4/ 11)، و(4/ 119).
[4] يُنظر: جهود ابن هشام الأنصاري في التفسير، إعداد الطالب: عبد القادر شكيمة، إشراف الأستاذ الدكتور: السعيد بوخالفة، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في الكتاب والسنة، جامعة الحاج لخضر، باتنة، كلية العلوم الإسلامية والاجتماعية، قسم الكتاب والسنة، السنة الجامعية: 1431هـ/ 1432هـ-2010م/2011م.
[5] النحو وكتب التفسير، لإبراهيم عبد الله رفيدة (1/13).