ونحن نؤمن بضرورة تدريس النحو في جامعاتنا في مظانه القديمة إلى جانب الدرس التطبيقي، ومن الإيمان بضرورة تدريب الطلاب على درس النحو درسا تطبيقيا، نقدم هذه السلسلة وقد قسمناه: أولهما عن الكلمة، وثانيهما عن الجملة، ثم ألحقنا به قسما خاصا عن بعض المتفرقات التي لها استعمالات معينة بالإضافة إلى نماذج إعرابية. |
سلسلة تعلم النحو التطبيقي
الجملة ميدان علم النحو؛ لأنه العلم الذي يدرس الكلمات في علاقة بعضها ببعض، وحين تكون الكلمة في جملة يصبح لها معنى نحوي؛ أي: تؤدي وظيفة معينة تتأثر بغيرها من الكلمات وتؤثر في غيرها أيضا. وأنت حين تقول: إن هذه الكلمة “فاعل” مثلا فإنك تعني أن قبلها “فعلا” بينه وبين الفاعل علاقة من نوع ما، وهكذا في بقية أبواب النحو.
النحو إذن لا يدرس أصوات الكلمات، ولا بنيتها، ولا دلالتها، وإنما يدرسها من حيث هي جزء في كلام تؤدي فيه عملا معينا.
على أن أهم خطوة في التحليل النحوي هي أن تحدد الكلمة، وعلى تحديدك لها يتوقف فهمك للجملة، ويتوقف صواب تحليلك من خطئه.
وأنت تعلم أن الكلمة العربية إما أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا، فهي لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة.
وعليك أن تسأل نفسك دائما:
ما نوع هذه الكلمة؟ أهي اسم أم فعل أم حرف؟
إن هذا السؤال له أهمية خاصة في التطبيق النحوي؛ لأن إجابتك عنه ستترب عليها كل خطواتك بعد ذلك.
وذلك:
– أن الكلمة إن كانت حرفا فهي مبنية ولا محل لها من الإعراب.
– إن كانت فعلا فقد تكون مبنية وقد تكون معربة، ولكن لا بد لها من معمولات تعمل فيها على ما سنعرفه تفصيلا.
– وإن كانت اسما فلا بد أن يكون لها موقع إعرابي، مبنية كانت أو معرفة.
فضلا عن أن نوع الكلمة يعينك على معرفة نوع الجملة التي هي مدار الدراسة النحوية.
ولننظر في الأمثلة التالية:
1- ما جاء علي.
2- ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ .
3- إنما محمد رسول.
4- ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
5- ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ .
6- ما أدراك أن عليا قادم؟
7- ما أكلت اليوم؟
8- ما أجمل السماء!
فأنت ترى أن الكلمة المشتركة في هذه الجمل هي “ما”، ولكن نوعها في بعض الجمل يختلف عنه في الجمل الأخرى:
1- فهي في الجملة الأولى حرف نفي لا محل له من الإعراب، ولا تأثير لها على بقية كلمات الجملة إلا من ناحية المعنى وهو النفي.
2- وهي في الجملة الثانية حرف نفي لا محل له من الإعراب، ولكنها عاملة عمل ليس؛ أي: أنها تؤثر على كلمات الجملة، فكلمة “هذا” اسمها مبني على السكون في محل رفع، وكلمة “بشرا” خبرها منصوب بالفتحة.
3- وهي في الجملة الثالثة حرف كافّ لا محل له من الإعراب، كفَّ “إن” عن العمل.
4- وهي في الجملة الرابعة حرف زائد بين حرف الجر والمجرور.
5- وهي في الجملة الخامسة اسم موصول مبني على السكون في محل رفع؛ لأنه فاعل للفعل “يسبح”.
6- وهي في الجملة السادسة اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ولا بد أن يكون له خبر، والخبر هو الجملة الفعلية بعده.
7- وهي في الجملة السابعة اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل بعده.
8- وهي في الجملة الثامنة اسم تعجب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبر.
ثم لننظر في الأسئلة الآتية:
1- هل حضر علي؟
2- متى حضر علي؟
3- مَن حضر اليوم؟
كلمة “هل” حرف استفهام لا محل له من الإعراب.
وكلمة “متى” اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان.
وكلمة “من” اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
ومعنى ذلك أن كلمات الاستفهام ليست نوعا واحدا؛ فقد تكون حرفا أو اسما، وهي حين تكون اسما لا تكون في موقع إعرابي واحد، فقد تكون في محل رفع أو نصب أو جر.
فأنت ترى إذن أن تحديدك لنوع الكلمة يترتب عليه فهمك لموقعها ولوظيفتها في الجملة ولعلاقتها بالكلمات الأخرى مما يهديك في النهاية إلى المعنى المقصود، وهو الغاية الأساسية للدارسة النحوية.
ملحوظة: يخطئ بعض الدارسين حين يستعمل في دراسة النحو كلمة “أداة”، فيقول:
أداة استفهام أو أداة نفي أو أداة شرط، وذلك كله خطأ؛ لأن الكلمة العربية -كما حددها النحاة- ليس فيها أداة، وإنما هي اسم أو فعل أو حرف ليس غير، ولو أنك أعربت الأمثلة الأخيرة وقلت عن “هل – متى – من” إنها أداة استفهام لما أعانك ذلك على معرفة موقعها الإعرابي، ولا ارتباطها بما يتلوها من كلمات.