[ … ] إلا بحرف جر، كما أن ذهبت أصله ألا يتعدى إلا بحرف، ويدل على ذلك أن مصدره مصدر ما لا يتعدى، وهو فعلو، تقول: دخل دخولا كما تقول: قعد قعودا، وجلس جلوسا، وذهب ذهوبا، ففعول مصدر ما لا يتعدى من الأفعال، ألا ترى أن سيبويه قال في باب بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك ومصادرها: إن فعولا إنما يكون لما لا يتعدى نحو: قعد قعودا، وجلس جلوسا، وثبت ثبوتا، وذهب ذهوبا، وقد قالوا: الذهاب
والثبات، قال: وأما قولهم: دخلته دخولا، وولجته ولوجا، فكان الأصل ولجت فيه ودخلت فيه، إلا أنهم حذفوا (في) كما قالوا: نبئت زيدا، يريدون عن زيد، فحذفوا (عن) ها هنا.
إن ذهبت الشام مثل دخلت البيت، أراد به أن حرف الجر حذفت مع ذهبت كما أنه حذف مع دخلت، وليس بين واحد من الأمرين وغيره فرق في الأصل، إلا أن العرب ربما استعملت الحذف في بعض الأشياء أكثر من بعض، فيتوهم بذلك المتوهم أن ما استعمل فيه الحذف أكثر أصله التعدي، وليس الأمر كذلك، وإنما يكون كثرة الحذف على قدر كثرة الاستعمال، وربما استعمل الشيء محذوفا، ولم يتكلم بالأصل البتة، فأما ذهب ودخل فقد استعمل معهما الوجهان، أعني حذف حرف الجر وإثباته كقولهم: دخلت في الدار، [ودخلت الدار]، وذهبت إلى الشام، وذهبت الشام واستعمالهم /٥/ حرف الجر في جميع المواضع مع فعلت وأنه غير ممتنع معها على حال يدل على أنه الأصل وأن الحذف فرع.
وأما قوله: إن كل ما كان مثل البيت فهو بيت، وليس كل ما كان مثل الشام فهو شام، فلا وجه له، لأن تعدي الفعل يأتي في النكرة والمعرفة سواء بكرف أو بغير حرف، تقول: دخلت مكة، ودخلت في مكة، ودخلت بيتا حسنا، ودخلت في بيت حسن، وكذلك ما كان مثله.