الدلالة

الدلالة

أ. د. عبدالحميد النوري عبدالواحد

مصطلح الدلالة signification مصطلح شاع في القديم والحديث، وهو يتوزَّع على علوم شتى؛ نجده في اللغة والفلسفة والأخلاق والأدب وغيرها، وهو يتعلَّق بكل ما هو دال، والدال متعلق بالدليل le signe أو the sign، والدليل قد يكون كلمة أو رسمًا أو رمزًا، أو إشارة أو علامة أو حدثًا، أو أي شيء من هذا القبيل.

إن الأشياء التي تحيط بنا في الكون والحياة كثيرة، لا تُحصى ومتنوعة، سواء أكانت صامتة أم ناطقة، وكل هذه الأشياء عبارة عن دلائل، وهي تنطوي على دلالات مختلفة، وقد يكون للأمر الواحد أكثر من دلالة.

والدلالة أمر افتراضي مجرد نستمده من الدليل، وهو صورة ذهنية تتصل اتصالًا متينًا بالشيء في حدِّ ذاته، بغض النظر عن طبيعة هذا الشيء، وبغض النظر إن كان ملموسًا أو مجردًا، أو من باب الحقيقة أو المجاز، أو من باب الواقع أو الخيال.

والدلالة في الاستعمال استعمالاتها كثيرة؛ إذ هناك الإشارة إلى دلالة العبارة والجملة، ودلالة الكون والحياة والوجود، ودلالة الموت والعدم، ودلالة الحدث، والدلالة التاريخية والقضائية وغيرها، مثلما هناك دلالة النص والقصيدة والخطاب… إلخ.

ومصطلح الدلالة قد يكون أدقَّ في اللسانيات أو علم اللغة عما هو عليه في اختصاصات أخرى؛ إذ هو مصطلح وثيق الصلة بالدال وبالدليل والمرجع، والدليل هو العلامة أو الشيء الدال، والدليل قد يكون لسانيًّا أو غير لساني، فأما الدليل اللساني فهو اللفظ أو الكلمة عمومًا، أو أي وحدة لسانية دالة، وأما الدليل غير اللساني فيتعلَّق بعالم الأشياء والموجودات.

والدليل اللساني يقوم على طرفين، هما الدال والمدلول، فأما الدال فهو الصورة اللفظية أو البصمة الصوتية بعبارة دي سوسير؛ وذلك من نحو قولنا:كتاب”، فلفظ “كتاب” أو الأصوات التي يتكوَّن منها هو الدال، وأما المدلول فهو المتصور الذهني الموجود في ذهن كل واحد منا باعتباره صورة لذاك الشيء، وهو صورة الكتاب في هذه الحالة، بغض النظر عن حجمه أو شكله أو لونه أو محتواه.

والطرف الثالث المتعلق بالدليل هو المرجع؛ والمرجع هو حقيقة الشيء في ذاته، ومن هنا كان الفرق أو الاختلاف بين المرجع والمدلول؛ إذ المدلول صورة مجردة مفترضة في الذهن، في حين أن المرجع هو حقيقة الشيء ككِيان موجود، وأما الدلالة في الفهم اللساني، فهي العلاقة الرابطة بين الدال والمدلول؛ ولهذا لا بد من التمييز في هذا المجال بين الدلالة والمعنى le sens أو the meaning، وهما شيء واحد أو من المترادفات عند الكثير من الناس، وفي الكثير من الأفهام، وللتمييز بينهما نقول: إن المعنى هو المقصد أو المقاصد المستوحاة من الكلام أو المستفادة من الأشياء، في حين أن الدلالة – ومثلما أشرنا إلى هذا – هي العلاقة بين الدال والمدلول في نطاق فَهْمنا للدليل عمومًا، والدليل اللساني على وجه الخصوص.

والمدلول قد يتعلق بالوحدة المعجمية المستقلة أو الكلمة، وقد يتعلق بالجملة والعبارة والخطاب أو النص، وتُصبح الدلالة في الحالة الأولى بسيطة غير مركبة، في حين تكون في الحالة الثانية مركبة أو معقدة، والدلالة سواء أكانت في الحالة الأولى أم في الحالة الثانية، لا تخلو عمومًا من الغموض أو الالتباس؛ إذ هناك الدلالة الأصلية والدلالة الثانوية، والدلالة الوضعية والطبيعية والعقلية وغيرها، وهناك الدلالة وظل الدلالة، وهناك الدلالة الحقيقية والدلالة المجازية.

والأمر بالنسبة إلى الخطاب أو النص أكثر تعقيدًا لا محالة مقارنةً بالدلالة المعجمية، وتبعًا لذلك كانت الدلالة، وما زالت مشغل اللسانيين وعلماء اللغة، ومشغل البلاغيين والفلاسفة، ونقَّاد الأدب وغيرهم.

والعلم الذي يدرس الدلالة في مختلف أبعادها ومجالاتها، هو علم الدلالة la sémantique أو the semantics وعلم الدلالة يهتم بدراسة الدلالة من جميع جوانبها، وهو فرع أو مستوى من مستويات التحليل اللساني، واللسانيون اليوم قد يقصرون مجال الدلالة في المعجم، وهناك من يتوسع في البحث فيها؛ ليربطها بالتركيب أو النحو، ومِن ثمة تكون وثيقة الصلة بالخطاب أو النص.

ترك تعليق