نشأة الأبذي وشيوخه

عناصر الموضوع:

نشأة الأبذي وشيوخه

١- البيوسقي البجائي

٢- ابن القماح

٣- القاياتي

٤- ابن قديد

٥- الجمال الكازَرُوني

٦- العز عبد السلام البغدادي

٧- العز عبد السلام القدسي

أما صاحبُ الكتابِ – وهو الأبذي – فقد توقفتْ كتبُ الطبقاتِ والتراجم عن الترجمةِ له إلا النزر اليسير، ولعلَ السببَ في ذلك تأخُره، فلم نجدْ سوى ترجمةٍ يسيرةٍ له ونبذة مختصرة عن حياتهِ. وإنا إذ نلقي الضوءَ على هذا المخطوطِ لنرجو اللهَ أن ينفعَ به، وأنْ يجعلَ في ذلك التوفيقَ والسداد.

نشأة الأبذي وشيوخه

نشأته:

هو من أهل “أُبَّذة” بقربِ جيان[1]. نشأ في بلادِ الأندلسِ، وتعلَّمَ في بجاية[2].

ثم انتقل إلى القاهرة، فدرسَ بالأزهرِ، ثم بالباسطية حيث سكنها برغبةِ أحدِ شيوخهِ[3]. وحجَّ وارتحل إلى المدينةِ المنورة[4].

شيوخه:

١- البيوسقي البجائي:

هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله البيوسقي المغربي البجائي محمد نزيل بجاية[5].

وقرأ عليه الشيخُ الأبذيُّ الشفا٥ببجاية[6].

٢- ابن القماح:

هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الأنصاريّ الخزرجيّ الأندلسيّ التونسيّ المالكيّ بن القماح. سمعَ بتونس والقاهرة ورجعَ إلى بلادِه الأندلس فعني بالحديثِ واشتهرَ به. وقد ولي قضاءَ بعضِ الجهاتِ بالمغرب. كان حسنَ البشرِ، سمحَ الأخلاقِ، وقرأ عليه بعضَ الشفا الشهابُ الأبذيُّ ببجاية. مات سنةَ سبع وثلاثين وثمانمائة[7].

٣- القاياتي:

هو محمد بن علي بن محمد بن يعقوب بن محمد القاياتي القاري الشافعي. وُلِد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريباً بالقايات، بلد قرب الفيومِ، وقرأ القرآنَ وحفظ المنهاجَ وألفيةَ النحوِ، والتسهيلَ وغيرها، وعرض على جماعة. كان إماماً عالماً علَاّمة، غاية في التحقيقِ وجودةِ الفكرِ والتدقيقِ، واضح العبارة، صائب النظر، صارَ شيخَ الفنونِ بلا مدافعة، وتصدَّى للإقراءِ زماناً، فانتفعَ به خلقٌ، وتزاحمَ الناسُ عليه من سائرِ أربابِ الفنونِ والمذاهبِ، وانتشرت تلامذتُه، وصاروا رؤساءَ في حياتهِ، كلُّ ذلك مع الدينِ والعقلِ والتواضعِ، والتقشّفِ والحلمِ والاحتمال، توفي سنة ٨٥٠[8]. قال السخاوي عن الأبذيّ: “قدمَ القاهرةَ فحضرَ دروسَ القاياتي”[9].

٤- ابن قديد:

وعمر بن قديد، الركن، أبو حفص بن الأمير سيف الدين القَلَمْطائي القاهري الحنفيّ، ولد سنةَ خمسٍ وثمانين وسبعمائة بالقاهرةِ، ونشأ بها في غايةِ الرفاهيةِ، وكان من كبارِ الأمراءِ، ولي نيابة الكركِ والإسكندريةِ، وحفظ القرآنَ وبعضَ الكتبِ العلمية، وبحثَ في العرُوضِ وغيرهِ، وحجَّ مراراً وجاورَ، وزارَ بيتَ المقدسِ والإسكندرية، وتقَّدمَ في الفنونِ. وفاقَ في النحوِ والصرفِ. بحيث قيل إنه كان أنحى علماءِ مصرَ، وكان علَاّمةً خيِّراً متعبِّداً منقطعاً عن الناس، مع علو رتبتِه عندهم، متواضعاً مع الفقراء، بشوشاً، عاقلاً، ساكناً، طارحاً للتكلِّفِ في سائرِ أحوالهِ، على طريقةِ السلفِ، زائد الخفرِ والوقارِ، انتفع به الفضلاءُ، واشتهر اسمُه، مات بمكةَ سنة ٨٥٦ في رمضان، وكان من أئمة الحنفيةِ، اجتمعَ فيه العلمُ والزهدُ واتباعُ السلفِ[10].

٥- الجمال الكازَرُوني:

هو محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن روزبة الجمال والمحب والشمس أبو عبد الله وأبو البركات بن الصفي أبي العباس الشمس أبي الإيادي بن الجمال أبي الثناء الكازروني الأصل، المدني الشافعي، ولد سنة ٧٥٧? بالمدينة النبوية، ارتحلَ إلى مصرَ والشامِ وغيرهما، وسمعَ من كثيرين، وأخذَ الحديثَ والفقهَ والنحْو، وصارَ فقيهَ المدينةِ وعالمهَا وقاضيها، وقد أخذ عنه كثيرون، وممن أخذَ عنه إجازةٍ الأبذيُّ حين ذهبَ إلى الحجِّ، توفى بالمدينةِ في ليلة الاثنين ثاني عشر شوال سنة ٨٤٣[11].

٦- العز عبد السلام البغدادي:

هو عز الدين عبد السلام[12] بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمد الشرف الحسيني القَيْلوي الأصل، نسبة لقريةٍ ببغداد، يُقالُ لها: “قليويه” كنفطويه، البغداديّ القاهريّ الحنبليّ الحنفيّ.

ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريباً ببغداد، ونشأ بها فقرأَ القرآنَ، وحفظَ كتباً جمةً في فنونٍ كثيرة، وأكثر من المحفوظات جداً وبحثَ في غالبِ العلومِ على مشايخِ بغدادَ والعجم والروم، حتى أنه بحثَ في فقه الشافعية والحنابلة وبرع فيهما، وصار يُقرئُ كتبَهما، ولازمَ الرحلةَ في العلمِ، إلى أن صار أحدَ أركانِه، وأدمنَ الاشتغالَ به، بحيث بقي أوحدَ زمانِه، وسمعَ أصولَ الحنفيةِ ودرسَ النحوَ والصرفَ، وأخذَ أصولَ الدينِ وآدابَ البحثِ والفرائض، والطب والمعاني والبيان، والمنطق وعلم الجدل والموسيقى، وارتحلَ إلى تبريز، ثم إلى أرزبخان من بلادِ الرومِ، فأخذ علمَ التصوّفِ، ثم عادَ من بلادِ الرومِِ، وناظرَ في الشامِ، واجتمعَ في القدسِ ببعضِ العلماءِ، وقد أشيرَ إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيانِ، والمنطق والجدل وآداب البحث، والطب والعروض والفقه والتفسير، والقراءات، والتصوف وغيرها، ونزل بالجمالية، وقُرِّر في صوفيتها، وأقبلَ الناسُ عليه، فأخذوا عنه، وعَظُم في عينِ السلطانِ، ونُعت بالشيخ الإمامِ العالمِ العامل الفاضل المفنن ذي الفوائد والفرائد مفيد الطالبين، وأُذنَ له في إقراءِ علومِ الحديثِ وإفادته، وقرَّره الزيني عبد الباسط متصدّراً بمدرستهِ ووصلَه بعطاء، وسكنها بعد الجمالية وقتاً ثم انتقل منها إلى غيرِها، فولي مشيختَها، وانتفعَ به الناسُ، وممن قرأ عليه الأبذيُّ وغيرهُ مِنَ المالكية، وصار غالبُ فضلاءِ الديارِ المصريةِ من تلامذته، كلّ ذلك مع الخيرِ، والديانةِ والأمانةِ، والزهدِ والعفِة، والتقشّفِ في مسكنِه وملبسِه ومأكلِه، والانعزال عن بني الدنيا، والتواضع مع الفقراء والإطعام وكرم النفس والصبر على الاشتغال، واحتمال جفاءِ الطلبةِ والتصدّي لهم طولَ النهارِ، والتقنّع بزراعاتٍ يزرعُها في الأريافِ، ومقاساة أمرِ المزارعين وإتعابهم، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجلَ وتدبّره، مع كونِه لم يستظهرْ جميعَه، ويعتذرُ عن ذلك بكونِه لا يحبُّ قراءتَه بدونِ تأملٍ وتدبر وسُمع عن بعضِ علماءِ العصرِ أنه قال: لم نعلم أنه قدمَ مصرَ في هذه الأزمانِ مثلُه، ولقد تجملتْ هي وأهلها به، وكان ربما جاءه الصغير لتصحيح لوحه، ونحوه من الفقراء والمبتدئين لقراءة درسه، وعنده من يقرأ من الرؤساء، فيأمرهم بقطع قراءتهم، حتى ينتهي تصحيح ذاك الصغير، أو قراءة ذلك الفقير، ويقول: أرجو بذلك القربةَ وترغيبهم، وأن اندرج في الربانيين ولا يعكس، ولم يحصل له إنصاف من رؤساءِ الزمان في أمر الدنيا ولا أُعطى وظيفة مناسبة لعليّ مقامه، وكان فصيح اللسان مفوهاً، طلق العبارة، قويّ الحافظة، سريع النظم جداً، وشرع في جمع شِعره في ديوان على حروف المعجم، وكتب منه قطعة، إلى غير ذلك من التآليف والتعاليق التي كان يميلها على الطلبة، ومن ذلك على إيساغوجي والشمسية والألفية والتوضيح، واعتذر عن عدم الإكثار من التصانيف والتصدّي لها بأنه ليس من عدّة الموت لعدم الإخلاص فيه أو كما قال. وكان يُقصد بالفتاوى في النوازل الكبار ودونها، ولم يزل على طريقته متصدّياً لنشر العلم حتى مات في عشري رمضان سنة تسع وخمسين وثمانمائة. ولم يخلف بعدَه في مجموعه مثله[13].

٧- العز عبد السلام القدسي:

هو عبد السلام بن داود بن عثمان بن القاضي شهاب الدين عبد السلام بن عباس العز السلطي الأصل، المقدسيّ الشافعيّ، ويعرف بالعز القدسيّ، ولدَ في سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وسبعمائة بكفر الماء، وهي قرية بالشام، ونشأ بها فقرأ القرآن، وفهمه عم والده بعض المسائل، ثم انتقل به قريبه البدر محمود العجلوني، أحد شيوخ البرهان الحلبي، في حدود سنة سبع وثمانين إلى القدس، فحفظ به في أسرع وقت عدة كتب في فنون شتى، بحيث كان يقضي العجب من قوة حافظته، وعلو همته ويقظته ونباهته، وبحث على البدر المذكور في الفقه إلى أن أذن له في الإفتاء والتدريس سريعاً، ثم ارتحل به إلى القاهرة في السنة التي تليها، فحضر بها دروس بعض العلماء، وسافر صحبةَ البدر إلى دمياط والاسكندرية وغيرهما من البلاد التي بينهما كسنباط، واجتمعا بقاضيها، ثم رجعا إلى القاهرة، ثم إلى القدس، وسمع بغزة على قاضيها، ثم عادا لبلادهما، ودخل صحبة البدر مدينة السلط والكرك وعجلون وحسبان، وجال في تلك البلاد، فلما مات البدر، ارتحل إلى دمشق، وذلك في حدود سنة سبع وتسعين، وجدَّ في الاشتغال بالحديث والفقه وأصله والعربية، وغيرها من علوم النقل والعقل على مشايخها، وسمع بها الحديث من جماعة كثيرين، وحج في سنة ثمانمائة، فسمع بالمدينة النبوية على بعض علمائها، وبمكة ثم رجع إلى دمشق، فسمع بها الكثير وأكثر من السماع والشيوخ، ثم انتقل في سنة ثلاث وثمانمائة إلى الديار المصرية، فقطن القاهرة ولازم علماء الفقه والحديث، ناب في القضاء سنة أربع ثم أعرض عن ذلك لكون والده عتبه عليه لتعطّله به عن الاشتغَال، ثم عاد إلى النيابة في سنة تسع، واستمر حتى صار من أجلَاّء النوَّاب، وصحب كاتب السر، وصار يزاحم الأكابر في المحافل، ويناطح الفحول الأماثل، بقوة بحثه وشهامته وغزارة علمه وفصاحتِه، واستمر في تدريس الحديث بالجمالية، وناب في الخطابة بالمؤيدية أول ما فتحت، واستقر به الزين عبد الباسط في مشيخة مدرسته بالقاهرة أول ما فتحت، بل ولي مشيخة الصلاحية ببيت المقدس، ثم رجع العز إلى القاهرة، فأقام بها على نيابة القضاء مع مرتب رتبه له عبد الباسط، إلى أن أعيد إلى الصلاحية، واستمر فيها حتى مات، وقد حدَّث بأشياء بالقاهرة وبيت المقدس وغيرهما، وممن قرأ عليه قاضي المالكية بحماة. ووصفه بشيخنا الإمام العلامة شيخ الإسلام علم المحققين حقاً وحائز فنون العلم صدقاً، وكذا درَّس وأفتى وأفاد، وانتفع به الفضلاء، سيما أهل تلك النواحي، وكان إماماً علاّمة، داهية، فصيحاً في التدريس والخطابة وغيرهما، حسن القراءة جداً، مفوهاً، طلق العبارة، قوي الحافظة، حتى في التاريخ وأخبار الملوك، جيّد الذهن، حسن الإقراء، كثير النقل والتنقيح، متين النقد والترجيح، وأقرأ هناك في جامع المختصرات فكان أمراً عجباً، صحيح العقيدة، شديد الحط والإنكار على أصحاب العقائد الرديئة، مغرماً ببيان تزييفها، جواداً كريماً إلى الغاية، قل أن ترى العيون في أبناء جنسه نظيره في الكرم.

المصدر: الحدود في علم النحو

 


[1] مدينة واسعة بالأندلس، وهي كورةٌ كبيرةٌ تجمعُ قرى كثيرة – انظر: معجم البلدان: ياقوت ٢: ١٩٥.

[2] بجاية: مدينةٌ على ساحلِ البحرِ بين إفريقية والمغرب كان أول من اختطها الناصر بن علناس بن حماد بن بلكين في حدود سنة ٤٥٧? كانت قديماً ميناءً فقط، ثم بُنيت المدينةُ، وهي في لحفِ جبلٍ شاهقٍ، وقبلتها جبال كانت قاعدة ملك بني حماد، وتُسَمَّى الناصرية أيضاً باسم بانيها، وهي مفتقرةٌ إلى جميعِ البلادِ لا يخصها من المنافع شيءٌ، إنما هي دارُ مملكةٍ تركبُ منها السفُن، وتسافر إلى جميعِ الجهات، انظر: معجم البلدان: ياقوت ١: ٣٣٩.

[3] هو العزُّ البغداديُّ، انظر الضوء اللامع للسخاوي ٢: ١٨٠.

[4] انظر الضوء اللامع: للسخاوي ٢: ١٨٠ والأعلام: للزركلي ١: ٢١٨.

[5] انظر كشف الظنون ٢: ١٠٤٩ – ١٠٥٦.

[6] انظر: الضوء اللامع م٥ ج١٠ ص٧٣.

[7] انظر: الضوء اللامع م٥ ج١٠ ص١٦.

[8] انظر: الضوء اللامع ٨: ٢١٢ – ٢١٤ وشذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي ٧: ٢٦٨.

[9] نظر: الضوء اللامع ٢: ١٨٠.

[10] انظر: الضوء اللامع م٣ ج٦ ص ١٣.

[11] انظر الضوء اللامع ٧: ٩٦-٩٧.

[12] وقيل اسمه عز الدين بن عبد السلام وأنه سلطان العلماء. انظر المغني لابن قدامة ١: ١٤.

[13] انظر الضوء اللامع ٢:١٨٠.وشذرات الذهب: لابن العماد الحنبلي ٧: ٢٩٤- ٢٩٥.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام