النَّكِرَةُ: وهي الاسم المجهول غير المُعَيَّنِ، ويُفيد الشيوع والعموم، وفي النكرة ما يُفيد الاختصار كالألفاظ الدَّالة على العُموم

أوجه الاختصار

في باب النكرة والمعرفة

في هذا الباب يتحدث النحاة عن موضوعين مُتلازمين هما النكرة والمعرفة، ولا داعي للدخول في تفاصيل هذا الباب، و لكن ما يهمنا هو معرفة أوجه الاختصار في هذا الباب، وذلك على النحو التالي:

أ- النَّكِرَةُ: وهي الاسم المجهول غير المُعَيَّنِ، ويُفيد الشيوع والعموم، وفي النكرة ما يُفيد الاختصار كالألفاظ الدَّالة على العُموم في غير الإيجاب تقوم مقام كلامٍ كثيرٍ؛ مما يُؤدي إلى اختصار الكلام بوجودها، وعن ذلك يقول السيوطي:” الألفاظ المُلازمة للعموم كأَحَدٍ “[1]، فإذا قلت:” هلْ عندك أحدٌ؟ أغناك ذلك عن أنْ تقولَ: هل عندك زيدٌ، أو عمرو، أو جعفرٌ، أو سعيدٌ، أو صالحٌ،؟ فتُطيل، ثم تُقصر إقصار المُعْتَرِفِ الكَلِيْلِ “[2].

ب- المعرفة: تشتمل المعارف في الاسم على سبعة أنواع: (الضمائر، العلم، اسم الإشارة، الاسم الموصول، الاسم المحلى بأل، المضاف إلى معرفة، المنادى المعين)، وكما مر فلسنا بصدد دراسة هذا الأنواع دراسة تقليدية، وإنَّما أهدف إلى معرفة أوجه الاختصار فيها، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: الضَّمِيْرُ:

هو نوع من الأسماء المُخْتَصَرَةِ، ويقول السيوطي في هذا الشأن: ” لقد وُضِعَ الضمير في اللغة العربية لِضَرْبٍ من الاختصار” [3]؛ لأنَّ الضمائر أخصرُ من الظواهر خُصُوْصًا ضمير الغيبة، فإِنَّه يقومُ مقام أسماءٍ كثيرٍة، وفى ذلك يرى ابن يعيش أنَّ ” المُضمرات وُضِعَتْ نائبةً عن غيرها من الأسماء الظاهرة لضربٍ من الإيجاز والاختصار”.([4]) ويؤكد السيوطي أنَّ الضمير (هم) في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[5] قام مقام عشرين ظاهراً..!![6].

وتتفاوت الضمائر فيما بينها في درجة الاختصار، فلا ” يُؤتى بالضمير المُنْفَصِلِ مع القُدْرَةِ على المُتَّصِلِ؛ لأنَّ عِلَّةَ الإتْيَانِ بالضَّمِيْرِ الاختصارُ، والمُتَّصِلُ أَخْصَرُ” [7]. فمثلاً ” استغنوا بالأخصر عن غيره. كما استغنوا بالضمير المتصل عن الضمير المنفصل في قولك: (قمتُ)، ولم يقولوا: (قام أنا وقمتَ)، ولم يقولوا: (قام أنت) ” [8].

ويرى النحاة أنَّ الضمير المُستتر أكثر الضمائر دلالة على الاختصار والإيجاز، ولذلك يرى الرضي أنَّ الضمير المستتر أصلاً للضمائر، ولذلك يقول:” اعلم أنَّ أصل الضمائر المتصل المستتر؛ لأنَّه أخصرُ من المنفصل، ثم المنفصل عند تعذر الاتصال، فلا يُقال: “ضرب أنا”؛ لأنَّ “ضربتُ” مثله معنى، وأخصر منه لفظًا ” [9]. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الاختصارَ في الضَّمَائِرِ:” أنَّكَ تستغني بالحرف الواحد عن الاسم بكماله – كما سبق – فيكون ذلك الحرفُ كجزْءٍ من الاسم “.[10]، فبدلاً من قولنا:”… من زيدٍ”، نقول:… “منه”.

ثانيًا: العَلَمُ:

هو الاسم الذي يُعيَنِّ ُمعناه مُطلقًا؛ أي بلا قيدٍ؛ فهو ليس كالضمير مثلاً يدلُّ علي معناه بقرينةٍ. ومن الجدير بالذِّكْرِ وجود أقسام للعلم[11] فهو: علم شخص، أو علم جنس، ومنه العلم المركب، ومنه العلم: (اسم أو كنية أو لقب)، ولا داعي للإطالة؛ فقد وضَّح النحاة هذا الباب وذكروا شواهده وشوارده، والمُهم هنا قول ابن يعيش: “إنما أُتِىَ بالأعلام للاختصار وترك التطويل بتعداد الصفات، ألا تري أنه لولا العَلَمُ لاحتجت إذا أردت الإخبار عن واحدٍ من الرِّجَالِ بعينه أن تُعدد صفاته حتى يعرفه المخاطب، فأغنى العلم عن ذلك أجمع[12] “. ولهذا المعنى قال النحاة:” العَلَمُ عبارةٌ عن مجموعِ صفاتٍ [13]“. وعندما نقول مثلا: حضر العقاد، أغنانا عن قولنا: حضر الرجل، العالم، العاقل الشاعر، الأديب، الناقد، وغير ذلك من الصفات، وفي ذلك اختصارًا.

ثالثًا: أسماء الإشارة:

اسم الإشارة: هو كل اسم دلَّ على مُسمَّى أو أشار إلى ذلك المُسمى، وفي استخدام أسماء الإشارة اختصار واضح، ومن ذلك قولن: هنا الحديقة، وهذا الطلب الناجح.. إلخ.

وهذا النوع – أعني الإشارة – ما فرعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى وشرحه بأنْ قال:” هو أنْ يكون اللفظ القليل مُشتملاً على المعنى الكثير بإيماءٍ ولمحةٍ تَدُلُّ عليه؛ كما قيل في صِفَةِ البلاغة: هي لمحةٌ دَالَّةٌ، وتلخيص هذا الشرح: إنَّه إشارةُ المُتَكَلِّمِ إلى المعاني الكثيرة بلفظٍ يُشبِهُ لقلته واختصاره بإشارة اليد؛ فإنَّ المُشِيْرَ بيده يُشير دفعةً واحدةً إلى أشياءَ لو عُبِّرَ عنها بلفظٍ لاحتاج إلى ألفاظٍ كثيرةٍ، ولا بُدَّ في الإشارةِ من اعتبارِ صِحَّةِ الدَّلالَةِ وَحُسْنَ البَيَانِ مع الاختصارِ؛ لأنَّ المُشِيْرَ بِيَدِهِ إِنْ لَمْ يَفْهَمْ المُشَارَ إليه معناه فإشارتُهُ مَعْدُوْدَةٌ مِنْ العَبَثِ “[14].

رابعًا: الاسم الموصول:

والموصول بشقيه الحرفي (أنْ، أنَّ، كي، ما، لو) والاسمي المشترك (مَنْ، ما، أي، ذا، ذو، أل) والاسمي الخاص (الذي، التي، اللذان، اللتان، الذين، اللاتي واللائي) فيه اختصارٌ لا يُخْفَى.

خامسًا: المعرف بأل:

وهو الاسم النكرة الذي يتم تحويله عن طريق إلحاق (أل).

في أوله، فـ: رجل، ولد نقول فيهما: الرجل، والولد، والتعريف (بأل) يغنينا عن ذكر كثير من الكلمات وفي ذلك اختصارٌ لا يخفى على أحَدٍ.

سادسًا وسابعًا:

يُمْكِنُ للمُتَكَلِّمِ العربيِّ أَنْ يُدْرِكَ مَدَى الاختصار أيضًا في المُضَافِ إلى معرفة وكذلك المُنَادَى المُعَيَّن، فلا داعي للإطالة والإطناب.

 


[1] الأشباه (1/ 51).

[2] الخصائص (1/ 82).

[3] ينظر: شرح المفصل (3/ 84)، (3/ 92)، وشرح التصريح (1/ 98)، وشرح الكافية (2/ 7)، والأمالي الشجرية (1/ 90)، والأشباه للسيوطي (1/ 53،55).

[4] شرح المفصل لابن يعيش (3/ 92).

[5] سورة الأحزاب، الآية (35).

[6] الأشباه والنظائر (1/ 30 -31).

[7] اللباب (1/ 483).

[8] الأشباه (1/ 55).

[9] شرح الكافية (2/ 13)، وينظر: شرح المفصل (3/ 101، 102، 108)، وشرح التصريح (1/ 98).

[10] شرح المفصل (3/ 84).

[11] ينظر: الكتاب (2/ 96)، ومعظم كتب النحو العربي.

[12] ينظر: الكتاب (2/ 296)، والخصائص (3/ 270)، وشرح الكافية (2/ 254)، والأشباه (1/ 54).

[13] ينظر: شرح المفصل (2/ 104)، والأشباه (1/ 54).

[14] ينظر: خزانة الأدب (2/ 258).