بين (شَتَّى) و(مُسَمًّى) من حيث الألف والتنوين وعدمه

سألني أحد الإخوة الأكارم هذا السؤال على “الماسنجر”: ما الفرق بين الألف في كلمة (شَتَّى) والألف في كلمة (مُسَمًّى) من حيث دخول التنوين وعدم دخوله؟

فأجبته إجابةً سريعةً، ثم وعدته بتفصيل القول في ذلك، وقد جاء على النحو الآتي:

أولًا- (شَتَّى):

(شَتَّى) جَمْعٌ، مفرده: شَتِيتٌ بمعنى: مُتَفَرِّق، يقال: (قَوْمٌ شَتَّى)؛ أي: مُتَفَرِّقُونَ، عَلَى وزن (فَعْلَى) وهو من أوزان ألف التأنيث المقصورة، ومن أبنية جمع التكسير الدال على الكثرة، وهو مُطَّرِدٌ في كلِّ وصفٍ دَالٍّ على آفةٍ طارئةٍ من موتٍ، أو أَلَمٍ، أو دالٍّ على عيبٍ ونقصٍ، أو تَشَتُّتٍ، مِثْلُ: (مَرْضَى وَمَرِيضٍ، وغَرْقَى وغَرِيقٍ، وجَرْحَى وجَريحٍ، وقَتْلَى وقَتِيلٍ).

في القرآن الكريم أَقْسَمَ اللهُ سبحانه وتعالى ببعضِ مخلوقاتِهِ العظيمةِ على أَنَّ أَعْمَالَ عبادِهِ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، فقال تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [الليل: 1 – 4] و(شَتَّى) خبر (إنَّ) مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ألف التأنيث المقصورة.

قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما في معنى آية جواب القسم: إنَّ أعمالَكم لمختلفةٌ، عملٌ للجنة، وعملٌ للنار[1]، وقِيلَ لِلأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ: (شَتَّى)؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ بَعْضِها وَبَعْضِها، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ أعمالَكم لَمُتَبَاعِدٌ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَها ضَلَالٌ وَبَعْضَها هُدًى، وَبَعْضَها يُوجِبُ الْجِنَانَ، وَبَعْضَها يُوجِبُ النِّيرَانَ، فَشَتَّانَ مَا بَيْنَهَا.

وقالت العربُ في المثل: (‌شَتَّى ‌تَئُوبُ ‌الحَلَبَةُ)[2]، فـ(شَتَّى) حالٌ من (الْحَلَبَة)، منصوبةٌ وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على ألف التأنيث المقصورة، وقد تَقَدَّمَت الحالُ على الفعل المتصرف العامل فيها، وهو (تَئُوبُ)، وعلى صاحبِها، وهو (‌الحَلَبَةُ)، والتقدير: يرجع الحالبون متفرقين.

ومورد المثل: أنَّ أصحاب الأنعام كانوا يوردونها الماء مجتمعين فإذا قَضَوْا مآربَهم رَجَعُوا إلى منازلهم متفرقين، يحلب كُلُّ واحدٍ منهم أنعامَهُ في بيته.

ومضرب المثل: يُقال عند الإخبار عن اختلاف الناس في الأخلاق مع أنَّ أصلهم واحد.

ولعلك لحظت أنَّ الألفَ في (شَتَّى) هي ألف التأنيث المقصورة التي تمنع الاسم من الصرف وحدَها، وقد جاءت في بناء الجمع (فَعْلَى) الدال على الكثرة، وهو مُطَّرِدٌ فيما كان من الأسماء على وزن (فَعِيل) على النحو الذي سبق ذكره، قال ابن مالك:

فَأَلِفُ ‌التَّأْنِيثِ ‌مُطْلَقًا ‌مَنَعْ
صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ[3]

ثانيًا- (الْمُسَمَّى):

على وزن (الْمُفَعَّل): اسم مَفْعُولٍ من الفعل (سُمِّيَ يُسَمَّى)، وهو مَنْ وَقَعَت عليه التَّسميةُ، وعَلَاهُ الاسْمُ دالًّا عليه، فـ(الولد) مُسَمًّى، وقَدْ جُعِلَ له (خالد) اسمًا يَعْلُوهُ ويدُلُّ عليه؛ فيَتَمَيَّز به عن غيره من الولدان، و(البنت) مُسَمًّى، وقد جُعِلَ له (فاطمة) اسمًا يَعْلُوه ويدُلُّ عليه؛ فتَتَمَيَّز به عن غيرها من البنات.

وهذا الكلام مبنيٌّ على المذهب الراجح في أصل اشتقاق الاسم، وهو مذهبُ البصريين القائل: إنَّ الاسْمَ مشتقٌّ من السُّمُوِّ؛ لأنَّ السُّمُوَّ في اللغةِ الْعُلُوُّ، يُقال: (سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا)، إذا علا، ومنه سُمِّيَت السَّمَاءُ سماءً؛ لعلوِّها، والاسم يَعْلُو على المُسَمَّى، ويدل على ما تحته من المعنى؛ ولذلك قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرِّد (ت 285هـ): الاسم ما دلَّ على مُسَمًّى تحته[4].

والأصل في اسْمٍ: (سِمْوٌ) على وزن (فِعْل) بكسر الفاء وسكون العين، فحُذِفَت لامُ الكلمة- وهي الواو- وجُعِلَتْ همزةُ الوصلِ عِوَضًا عنها، ووزنه: (اِفْعٌ).

مُسَمًّى:

الألفُ الواقعةُ طرفًا غيرَ مسبوقةٍ بياءٍ في الأسماء العربية غير الثلاثية تُرْسَم على صورة الياء مطلقًا؛ أي: سواء أكان أصلها الياء؛ نحو: (مُلْتَقَى) أم كان أصلها الواو؛ نحو: (مُصْطَفًى، ومُسَمًّى).

ووَزْنُ (مُسَمًّى) مُنَوَّنًا في الوصلِ: (مُفَعًّى)، وأَصْلُهُ (مُسَمَّوٌ)؛ لأنَّهُ مَأْخُوذٌ من (السُّمُوِّ)، فلام الكلمة واو.

والذي حصل فيه هو قَلْبُ الواوِ ألفًا؛ لتَحَرُّكِها وانفتاحِ ما قبلها، فصارت الكلمةُ (مُسَمَّى ً)، فالتقى ساكنان: الألفُ والتنوينُ؛ لأنَّ الكلمةَ ليست ممنوعةً من الصرف، وقد قَرَّرَ علماءُ التصريفِ وجوبَ حذفِ الساكن الأوَّل من الساكنين الملتقيين إن كان حرفَ مدٍّ، فحُذِفَت لامُ الكلمةِ- وهي الألف المنقلبة عن الواو – لفظًا؛ للتخلُّص من التقاء الساكنين، كما حُذِفَت اللامُ الواويةُ واليائيةُ من نحو: (عَصًا، وهُدًى، وفَتًى)، فأصلها: (عَصَوٌ، وهُدَيٌ، وفَتَيٌ): تحركت الواو والياء وانفتح ما قبلهما؛ فوجب قلبُهما ألفًا، فصارت الكلمات (عَصَا ً، هُدَى ً، فَتَى ً) منوَّنةً حالَ الوصلِ؛ فالتقى ساكنان: الألف والتنوين؛ فحُذِفَت الألف؛ للتخلُّص من التقائهما لفظًا، وصار التنوينُ على عين الكلمة.

فإذا وَقَفْتَ على (مُسَمًّى، ومُصْطَفًى) ونحوهما عادت الألفُ في الأحوال الثلاثة كلها: الرفع والنصب والجرِّ، والأرجح أنَّ هذه الألف التي عادت هي الألف المنقلبة عن لام الكلمة في الأحوال الثلاثة، وأنَّ التنوين حُذِفَ في الوقف، فلما حُذِفَ عادت الألفُ؛ لزوال عِلَّةِ حذفِها، وهي التقاؤها ساكنةً مع التنوين، ويُؤيِّدُ هذا كتابةُ الألفِ على صورة الياء (ى)، وألف التنوين تُكتب ألفًا قائمةً ( ا ).

ولعلَّك عرَفْتَ أنَّ التنوينَ الذي يلحق هذا النوعَ من الأسماءِ في حالاتِ الإعرابِ كلِّها تنوينٌ واحدٌ، وهو تنوين النصب ( ً )، ولا تقبل تنوينًا آخر، فتقول: (هَذَا هُدًى وخيرٌ، وسِرْ على هُدًى وخيرٍ)، وقال تعالى: ﴿ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ﴾ [الأنعام: 2]، وتقول: (هذا فَتًى شجاعٌ، ورَأَيْتُ فَتًى شجاعًا، ومررتُ بِفَتًى شجاعٍ).

وإذا ثنيت (مُسَمًّى) أو جمعته صارت ألفه غير الثلاثية ياءً في التثنية والجمع وإن كانت منقلبة عن واو، فيقال: (مُسَمَّيَان، ومُسَمَّيَاتٌ).

فَذْلَكَة الإجابة:

التنوينُ لا يلحق (شَتَّى) جمع شَتِيتٍ؛ لكونها ممنوعةً من الصرفِ، وعلةُ المنعِ: كونُها مختومةً بألف التأنيث المقصورة، ويلحق التنوينُ (مُسَمًّى) اسم مفعولٍ؛ لكونه اسمًا مصروفًا، والألف في آخره هي الألف المنقلبة عن لام الكلمة الواوية، وهذه الألفُ تُحذف حال الوصل لفظًا لالتقائها ساكنةً مع التنوين، وتثبت حال الوقف لفظًا ورسمًا؛ لزوال علة الحذف.

والله سبحانه وتعالى الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

 

 


[1] ينظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: 4/ 453.

[2] يُنظَر: جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري: 1/ 541.

[3] ألفية ابن مالك، ص55، طبعة دار التعاون.

[4] يُنظَر: الإنصاف في مسائل الخلاف: 1/ 8.

ترك تعليق