جدل اللغة العربية..

هل تسود اللهجات العامية على حساب الفصحى؟

دارت سجالات ونقاشات كثيرة حول اللغة العربية منذ الربع الأخير من القرن الـ19، أبرزها الدعوة لاعتماد العاميات بدل اللغة العربية الفصحى والتي بدأها الألماني ويلهلم سبيتا في كتابه “قواعد العربية العامة في مصر ” عام 1880.

وتابع هذه الدعوة مستشرقون آخرون بينهم ويليام ويلكوكس وكارل فلرس وسيلدون ويلمر، وعربًا بينهم: سلامة موسى ومنصور فهمي وجميل صدقي الزهاوي، وآخرون رأوا أن الفصحى لغة قديمة غير صالحة للعصر الحديث وغير قابلة للتطور.

كما اعتبروا أن العاميات العربية أكثر صلاحية ومرونة. إلا أن نخبة من شيوخ اللغة والأدب خالفوا هذا التوجه ومن بينهم عباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي ومحب الدين الخطيب وآخرون.

فقد رأى هؤلاء أن الدعوة إلى استعمال العامية امتداد للدعوات الاستعمارية التي استهدفت وحدة الأمة العربية، مؤكدين أن العربية بسننها ونظام تكوينها ومرونة صيغها هي أكثر لغات الأرض قابلية للتطور، وأن العاميات العربية تتطور نحو الفصحى وليس العكس.

وشدد طه حسين على أهمية الفصحى مجيزًا استعمال الألفاظ العامية إذا دعت الحاجة استنادًا إلى رأي الجاحظ في القرن الثالث الهجري.


إقرأ أيضا: المؤامرة التي تهدد الفصحى


نشأة اللغة:

وفي هذا الإطار، شرح المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية عز الدين البوشيخي أن اللغات تتوزع إلى مستويات تتحدد بحسب الوظائف التي يؤديها كل مستوى.

وشدد في حديث إلى “العربي” من الدوحة على أن اللغة العربية ليست بمعزل عن اللغات العالمية بصفة عامة.

وأوضح أن “اللغات تنشأ بشكل العام بفعل الحاجات التي تتمثل بالاقتصاد في الجهد، إضافة إلى السياسة اللغوية التي تتبناها سلطة معينة وتوجه بها اللغة إلى وجهة محددة فتنقل مستوى من مستوياتها ليكون أعلى وتسجل المستويات الأخرى لأداء أدوار مختلفة في الحياة الاجتماعية”.

ومن هذا المنطلق، يشير البوشيخي إلى أن المتكلم العربي اختار أن يخضع لمبدأ الجهد الأقل في التعبير، وبذلك فهو يتحدث انطلاقًا من هذا المبدأ فتكون لغته التي يستعملها لأداء غرضه في الحياة العامة هي لغة تتبنى الاقتصاد في الجهد من الناحية الصوتية والترقيمية والمعجمية.

وشرح أنه من خلال هذا الاختيار، تختلف اللغة التي اختارها المتكلم العربي عن لغة الأدب والتعبير العلمي التي تحظى بمستوى من طبيعة أخرى وتؤدي أدوارًا أخرى.


إقرأ أيضا: كيفية امتلاك مهارة التحدث بالفصحى- المقال التاسع


وقال: إن الطفل وخلال اكتسابه للغة في مراحله الأولى، يكتسب اللغة التي تبنى على أساس الاقتصاد في الجهد وهي تتمثل باللغة الموجودة في المحيط الذي ينشأ فيه والتي تسمى “اللهجة” ومن خلالها يتم التواصل على غرار التعبير عن المشاعر والأفكار.
ومن ثم ينتقل الطفل من هذا المستوى إلى آخر وهو تعلم اللغة، الذي ينقله من حالة “اللهجة” إلى “اللغة التي يكتبها ويعبر بها تعبيرًا أدبيًا وعلميًا بحسب البوشيخي.

“اللغة العربية الفصحى هي الأصل”:

بدوره، اعتبر أمين سر المجلس العلمي لمعجم الدوحة عبد السلام المسدي أن اللغة العربية تمر بتحدٍ كبير، مشددًا على أنه لا بد لكل أمة ودولة وشعب أن تكون لهم خيارات في المستوى اللغوي.

وأكد في حديث إلى “العربي” من تونس على أن اللغة العربية الفصحى هي الأصل والمرجع والعنوان الأساسي لهوية أمة.

المسدي شرح أن الواقع التاريخي جنح باللغة العربية إلى أن تتولد منها لهجات تحتكر الاستعمال اليومي.

وقال: إن المصير والسياسة العربية لا يمكن أن تنفك عن ارتباطها باللغة العربية، وعلى هذا الأساس لا تناقض مبدئيًا بين وجود لغة رسمية تتولى العلم والتوجيه وشؤون الدولة، وحولها جملة من اللهجات انبثقت من هذه اللغة لأنها تحاكي الحاجة اليومية والتلقائية”.

وخلص إلى أن قضية اللغة العربية تبسط تحديًا كبيرًا، مشددًا على أن معالجة القضية اللغوية هي في صميم الاختيارات السياسية التي يجب أن تكون مبنية على رؤية بعيدة المدى، فضلًا عن الحاجات العاجلة التي تتولاها اللهجة.

المصدر: العربي

ترك تعليق