المؤلف: محمد بن الحسن الرضي الاسترابادي

الحال [1]

ماهية الحال وأنواعه (1)

قال ابن الحاجب:

“الحال ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا أو معنى، نحو:

“ضربت زيدا قائما، وزيد في الدار قائما، وهذا زيد قائما”

قال الرضى:

قال المصنف[2]: لا يدخل فيه النعت في نحو: جاءني رجل عالم، لأن المراد في الحدود: أن يكون لفظ المحدود دالّا على ما ذكر في الحدّ، وقولك: عالم، في جاءني رجل عالم. وإن بيّن هيئة الفاعل، لكن لا دلالة في لفظ عالم، على أنه بيان لهيئة فاعل، إذ لفظ عالم. ههنا، مثلها في قولك: زيد رجل عالم، مع أنها مبيّنة لهيئة خبر المبتدأ، لا هيئة الفاعل، بل إنما علم كون “عالم” في جاءني رجل عالم بيانا لهيئة الفاعل من تقدم قولك: جاءني رجل، بخلاف الحال، فإن “راكبا” في قولك: جاءني زيد راكبا، ورأيت زيدا راكبا. لفظ فيه دلالة على كونه هيئة الفاعل، أو المفعول، حتى لو قلت: رجل قائما أخوك، لم يجز، لعدم الفاعلية، أو المفعولية في “رجل” [3]

• أقول: لقائل أن يمنع أن المحدود يلزم أن يدلّ على كل ما يذكر في حدّه، بل يكفي أن يكون فيه ما يذكر في حدّه؛ وبعد التسليم، فليس في هذا الحدّ تحقيق معنى الحال، وبيان ماهيّته، لأنه ربما يتوهّم أنه موضوع لبيان هيئة الفاعل أو المفعول مطلقا، لا في حالة الفعل، فيظنّ في: جاءني زيد راكبا، أن “راكبا” هيئة لهذا الفاعل مطلقا لا في حال المجيىء، فيكون غلطا.

ويخرج عن هذا الحدّ: الحال التي هي جملة، بعد عامل ليس معه ذو حال كقوله:

١٧٦ ـ يقول وقد ترّ الوظيف وساقها ****ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد [4]

وقوله:

١٧٧ ـ وقد أغتدي والطير في وكناتها ****بمنجرد قيد الأوابد هيكل[5]

ويخرج أيضا: الحال عن المضاف إليه، إذا لم يكن المضاف عاملا في الحال، وإن كان ذلك قليلا، كقوله تعالى: ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾، وقوله تعالى:﴿ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴾، وقول الشاعر:

١٧٨ ـ كأنّ حواميه مدبرا****خضبن، وإن لم تكن تخضب [6]

وقوله:

١٧٩ ـ عوذ وبهثة حاشدون عليهم ****حلق الحديد مضاعفا يتلهّب [7]

وأمّا قوله تعالى: ﴿ النَّارُ مَثْواكُمْ ﴾، أي موضع مثواكم، أي ثوائكم، “خالدين” وقولك: أعجبني ضرب زيد قائما، وهو ضارب زيد مجردا؛ فالمنصوب فيها حال من الفاعل أو المفعول، فلا يرد اعتراضا.

وله[8] أن يقول: إن الحال عما أضيف إليه غير العامل في الحال، لا يجيئ إلا إذا كان المضاف فاعلا، أو مفعولا يصحّ حذفه وقيام المضاف إليه مقامه. كما أنك لو قلت: بل نتبع ابراهيم، مقام: “بل نتبع ملة ابراهيم”، جاز، فكأنه حال من المفعول؛ وإذا كان المضاف فاعلا أو مفعولا وهو جزء المضاف إليه فكأن الحال عن المضاف إليه هو الحال عن المضاف، كما في قوله تعالى: ﴿ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴾، فقوله: مصبحين، حال عما دلّ عليه ضمير “مقطوع”، وذلك لأنه[9] نائب عن: “دابر هؤلاء”، فهو حال عن هؤلاء، المضاف إليه، لأن دابر الشيء: أصله، فكأنه قال: يقطع دابر هؤلاء مصبحين، فكأنه حال عن مفعول ما لم يسمّ فاعله؛ وكذا قوله: كأن حواميه مدبرا، أي: تشبه حواميه مدبرا، أو أشبّه حواميه مدبرا، فكأنه حال عن الفاعل أو المفعول؛ وكذا قوله: عليهم حلق الحديد مضاعفا.

فالأول أن تقول: [10]الحال على ضربين: منتقلة ومؤكدة، ولكل منهما حدّ، لاختلاف ماهيّتيهما؛ فحدّ المنتقلة: جزء كلام يتقيّد بوقت حصول مضمونه، تعلق الحدث الذي في ذلك الكلام، بالفاعل أو المفعول، أو بما يجري مجراهما؛ فبقولنا: جزء كلام، تخرج الجملة الثانية في نحو: ركب زيد وركب مع ركوبه غلامه، إذا لم نجعلها حالا [11]؛ ويخرج بقولنا حصول مضمونه: المصدر في نحو: رجع القهقرى. لأن الرجوع يتقيّد بنفسه، لا بوقت حصول مضمونه؛ ويخرج النعت بقولنا: يتقيّد تعلق الحدث بالفاعل أو المفعول، فإنه أي النعت لا يتقيّد بوقت حصول مضمونه ذلك التعلق؛ وقولنا: أو بما يجري مجراهما يدخل حال الفاعل والمفعول المعنويّين نحو: ﴿ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾، و:

١٨٠ ـ كأنه خارجا من جنب صفحته *****سفوّد شرب نسوه عند مفتأد [12]

على ما يجيئ، والحال عن المضاف إليه، الذي لا يكون في المعنى فاعلا أو مفعولا للمضاف، على ما مرّ؛ ويدخل في الحدّ: الحال في نحو قوله:

يقول وقد ترّ الوظيف وساقها[13] … ١٧٦

وفي قوله:

وقد أغتدى والطير في وكناتها [14]… ـ ١٧٧

المصدر: شرح الرضيّ على الكافية – ج ٢

 


[1] وضعت هذه العناوين التي تحدد بداية الموضوعات، وكذلك: العبارات الدالة على بدء كلام كل من المصنف والشارح، وليس في الطبعة التي نقلت عنها، ولا في غيرها مما طبع من هذا الشرح، شيء من ذلك،

[2] قول المصنف هذا في شرحه هو على هذه الرسالة «الكافية»، والرضي ينقل عنه كثيرا ويناقش ابن الحاجب فيما ينقله عنه، كما فعل هنا

[3] هذه نهاية كلام ابن الحاجب الذي نقله الرضي، وقوله بعد ذلك: أقول: مناقشة منه لابن الحاجب فيما قاله في شرحه؛ وكلام ابن الحاجب هنا يستحق المناقشة حقا؛

[4] من معلقة طرفة بن العبد، وهو في هذا البيت وما يتصل به يتحدث عما فعله من عقر ناقة لضيف نزل به، وهي من كرام الإبل، قيل أنها ناقة أبيه، وقيل إنها ناقة ضيفه الذي نزل به وقوله: قد أتيت بمؤيد، أي بشيء عظيم خطير، ومؤيد إما بصيغة اسم الفاعل أو بصيغة اسم المفعول،

[5] هذا البيت من معلقة امرئ القيس المشهورة من الجزء الذي يصف فيه فرسه بالسرعة، وقوله: قيد الأوابد، أي مقيّدها، يعني أنه لسرعته يدرك الوحوش فلا تفلت منه، فكأنه يقيّدها في مكانها حتى يلحقها؛

[6] هذا من شعر للنابغة الجعدي في وصف الفرس، والحوامي: ما فوق الحافر من ذي الحافر، يريد أنها صلب قوية، وتشبيهها بالشيء المخضوب، يراد به أنها قريبة إلى السواد أو الخضرة وكلما كانت كذلك كانت أشد صلابة؛

[7] وهذا أحد أبيات لزيد الفوارس، في وصف وقعة كانت بين قومه وجماعة من قبيلتي عوذ، وبهئة (بضم الباء)، كانوا قد أغاروا على إبل لقوم زيد فلحق بهم في عدد من قومه واستردوا منهم الإبل، وزيد الفوارس هو زيد بن حصين بن ضرار الضي شاعر جاهلي كان من الشجعان وهو غير زيد الخيل الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، وسيأتي ذكره،

[8] أي للمصنف: ابن الحاجب، له أن يردّ ما أورده الرضي من نقد لتعريف الحال؛

[9] أي الضمير في «مقطوع»،

[10] هذا رأي للرضي في تعريف الحال بعد أن ناقش تعريف المصنف؛

[11] أي إذا كان القصد جعل الجملة الثانية معطوفة على ما قبلها، وأما إذا قصدنا جعلها حالا فهي داخلة في الحد.

[12] هذا أحد الأبيات من قصيدة النابغة الذبياني التي أولها:

يا دار مية بالعلياء فالسند ****أقوت وطال عليها سالف الأمد

والضمير في كأنه خارجا .. يعود إلى قرن الثور الوحشيّ الذي تحدث عنه في بيت سابق، والسّفود بتشديد الفاء: حديدة يشوى عليها اللحم، والشّرب اسم جمع لشارب، والمفتاد بفتح التاء والهمزة اسم المكان الذي يشوى فيه اللحم.

[13] هو الشاهد المتقدم في هذا الجزء.

[14] وكذلك، هذا الشاهد هو الثاني بعد سابقه.