المحسنات اللفظية
“الاقتباس وأمثلة عليه”
شرح دروس البلاغة للشيخ محمد بن صالح العثيمين
تحقيق الأستاذ أشرف بن يوسف
(20)

الاقتباس: هو أن يضمن الكلام شيئًا من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه؛ كقوله:

لا تكن ظالمًا ولا ترض بالظل
مِ وأنكر بكل ما يستطاعُ
يوم يأتي الحسابُ ما لظلومٍ
مِن حميمٍ ولا شفيعٍ يطاعُ(1)

(1) هذا مضمنٌ، فقوله: ما لظلوم من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع.

مقتبسٌ من قوله تعالى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]، وهذا يسمى الاقتباس؛ يعني: أنه اقتبس من القرآن أو الحديث هذه الجملة، وأضافها إلى كلامه، لكن لا على أنها منه، بل على أنها من القرآن أو من الحديث.

ولكن هل هذا محمودٌ أم مذمومٌ؟

الجواب: هذا اشتهر بين الأدباء في القرون الوسطى، لكنه فيما أرى مذمومٌ، خصوصًا إذا جاء في الشعر، وهو من القرآن؛ لأن هذا يوحي بأن القرآن نوعٌ من الشعر؛ فلذلك ينبغي أن يقال: إن الاقتباس من القرآن إذا كان في النظم فإنه مذمومٌ؛ لأنه يجب إبعاد القرآن عن الشعر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [يس: 69، 70].

وقوله:

لا تُعادِ الناس في أوطانهم
قلما يُرعى غريبُ الوطن
وإذا ما شئتَ عيشًا بينهم
خالقِ الناس بخُلْق حسَن (1)

ولا بأس بتغييرٍ يسير في اللفظ المقتبس للوزن أو غيره، نحو:

قد كان ما خفت أن يكونا ♦♦♦ إنا إلى الله راجعونا

والتلاوة: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156] (2).


(1) الشاهد قوله: خالق الناس بخلقٍ حسن، فهذا جزءٌ من حديثٍ[1].

(2) لكن إذا غير فقد يمنع أن يكون اقتباسًا؛ لأنه إذا تغير لم يصر بلفظ القرآن، ولا بلفظ الحديث.

إذًا: الاقتباس من المحسنات اللفظية، ولكن لا ينبغي أن يكون من القرآن، إذا كان ذلك في الشعر[2].


[1] وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وخالِقِ الناس بخلق حسن، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحُها))؛ رواه أحمد في (مسنده) 5/ 158،153، 177(21536،21403،21354)، والترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، والدارمي في (سننه) (2791)، والبزار في (مسنده) (4022)، والقضاعي في (مسند الشهاب) (652)، والحاكم في (المستدرك) 1/ 54، والبيهقي في (شعب الإيمان) (8026) وفي (الزهد الكبير) (869)، وأبو نعيم في (الحلية) 4/ 378 عن أبي ذر رضي الله عنه،ورواه أحمد في (مسنده) 5/ 236 (22059)، والطبراني في (الكبير)20/ 297 ،298، وفي (الأوسط) (3791)، وفي (الصغير) (530)، وأبو نعيم في (الحلية) 4/ 376، عن معاذ رضي الله عنه.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (97): حسن.

[2] سئل الشيخ الشارح رحمه الله في الشريط الخامس من دروس البلاغة:

ما هو الدليل على عدم جواز الاقتباس بشيء من القرآن أو الحديث، مع أن الصحابة كانوا يقتبسون بشيء من القرآن، فها هو طلحة رضي الله عنه لما وصله الخبر أن قتلة عثمان نادمون على ما فعلوا قال: تبًّا لهم، فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون؟!

فقال رحمه الله: الجواب عن ذلك أن يقال:

أولًا: لا بد أن يثبُت هذا عن طلحة.

وثانيًا: انظر هل يدخُل هذا في الاقتباس أو لا؟ لأن هذا واضح أنه قرآن مستقل، لكن استشهد به على نظيره؛ فهو ليس من الاقتباس، وإنما هو من الاستشهاد.

ومثال ذلك أيضًا: قول الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين: ((صدق الله؛ إنما أموالكم وأولادكم فتنة))؛ ا.هـ.

وأثر طلحة: مذكور في تاريخ الطبري 2/ 676، والفتنة ووقعة الجمل 1/ 73، ومقتل الشهيد عثمان 1/ 149، والبداية والنهاية 7/ 189.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق الله؛ إنما أموالكم وأولادكم فتنة))، فقد رواه أحمد في (مسنده) 5/ 354 (22995)، وأبو داود (1109)، والترمذي (3774)، وابن ماجه (3600)، والنسائي (1585،1413)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) 12/ 100،99، وابن خزيمة في (صحيحه) (1801)، وابن حبان في (صحيحه) (6038)، والبغوي في (معالم التنزيل) 4/ 354، والحاكم في (مستدركه 4/ 287،189)، والبيهقي في (سننه) 6/ 165 / وفي (شعب الإيمان) (11016).

قال الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على السنن: صحيح.