الحرف الممدود هو حرف المد

لا الذي قبله كما تدعي الأدلة الإرشادية

(1)

في دروس المد في الأدلة الإرشادية للقرائية تجد تفرقة بين الممدود والمد.

كيف؟

تجد أن حرف المد هو أحد حروف المد الثلاثة، وهذا لا شيء فيه. وتجد الحرف الممدود هو الحرف الصحيح الذي يسبق حرف المد ويحمل حركته، مثل ما جاء في ص28 من “الدليل الإرشادي للصف الثالث الابتدائي، نسخة تجريبية، ديسمبر 2013م”:

النشاط الأول:

أكمل الجدول الآتي بكلمات بها مد:

الكلمات

نوع المد

الحرف الممدود

صباح

مد بالألف

الباء (ب)

….

….

ولن أكثر من الأمثلة؛ لأن هذا أمر بديهي الوجود في الأدلة الإرشادية وغير منكور وجوده فيها من أحد، بل يدربون عليه المعلمين؛ لذا سأكتفي بالمثال السابق.

أقول: هنا يكمن الإشكال والخطأ، أي في جزء الحرف الممدود؛ فهل الباء حرف ممدود؟

لا.

لماذا؟

يقتضينا الجواب تعريف الحرف، وبيان أنواعه، وبيان علة وجود المد من عدمه.

كيف؟

(2)

ما الحرف؟

يقول عطية قابل نصر في كتابه غاية المريد في علم التجويد“: (الحرف لغةً: الطَّرَف. واصطلاحًا: صوت اعتمد على مخرج مُحَقَّقٍ أو مقدَّر).

ما المخرج؟

يقول عطية قابل نصر في كتابه “غاية المريد في علم التجويد“: (المخارج: جمع مَخْرَج على وزن مَفْعَل بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء. والمخرج لغةً: محلُّ الخروج. واصطلاحًا: اسم لموضع خروج الحرف وتمييزه عن غيره، كمَدْخَل اسم لموضع الدُّخول، ومَرْقَد اسم لموضع الرُّقود … والمخارج للحرف كالموازين تعرف بها مقاديرها فتتميز عن بعضها … والمخرج المحقق: هو الذي يعتمد على جزء معين من أجزاء الفم كالحلق أو اللسان، والمخرج المقدَّر: هو الذي لا يعتمد على شيء من أجزاء الفم كمخرج الألف حيث تخرج من الجوف … والطريقة لمعرفة مخرج أي حرف من الحروف أن تنطق به ساكنًا أو مشددًا، ثم تُدْخل عليه همزة الوصل محركةً بأي حركة كانت؛ فحيث انقطع الصوت فهو مخرجه المحقق. ولمعرفة مخرج حروف المد أدْخِلْ على أي حرف منها حرفًا محركًا بحركة مناسبة له، ثم أصْغِ إليه- تجد أنه ينتهي بانتهاء الهواء الخارج من جوف الفم، وبذلك يتضح لك أن مخرجها مقدر، وباقي أحرف الهجاء مخرجها محقق).

إذًا، المخرج يجعل الحروف نوعين.

ما هما؟

أ- حروف صحيحة: وهي التي تمتلك مخرجاً محققاً، وتسمى في علم اللغة الحديث CONSONANT أي صوامت. ولا يتأتى نطقها إلا متلبسة بالحركات أي الصوائت القصيرة التي هي الفتحة والكسرة والضمة، فإن خلت منها فهي ساكنة. ولا يدخلها الزمن إلا وهي ساكنة، أما إن تحركت فالزمن زمن الحركة.

وقد فصّل امتدادها أي دخول الزمن فيها الدكتور أيمن رشدي سويد في مرئيات كثيرة على الـ YOUTUBE إن بحثت بـ”أزمنة الحروف“، فأوضح أن الحروف الرخوة المجموعة في “حثه شخص فسكت” تكون أكثر امتدادا، ثم تأتي بعدها الحروف البينية -أي التي بين الشديدة والرخوة- المجموعة في “لن عمر“، ثم تأتي في أقل درجات الامتداد الحروف الشديدة المجموعة في “أجد قط بكت”.

أما الحروف المتحركة فقد ذكر الدكتور سويد أن الحركة تسوي بين أزمنتها وامتدادها.

كيف؟

ذكر كلمة “كُتِبَ“، وذكر أن الكاف والتاء والباء أزمنتها واحدة؛ لان زمن الضمة هو زمن الكسرة هو زمن الفتحة.

ب- حروف علة وهي التي تمتلك مخرجا مقدرا، وتسمى في علم اللغة الحديث VOWELS أي صوائت.

وتنقسم حروف العلة الثلاثة أربعة أنواع على وفق السياق الصوتي المصاحب.

ما هي؟

1- حرف لا يكون إلا حرف علة ومد ولين، وهو الألف؛ لأنه لا يكون إلا ساكناً مسبوقاً بحركة من جنسه وهي الفتحة. ويراه علم اللغة الحديث صائتاً طويلاً، ولا يراه مكوناً من فتحة على الحرف السابق، ثم ألف. مثل المقطع “هَا” من جملة “نوحيها”.

2- حرفان يكونان حرفي مد إن كانا ساكنين وسُبق كل منهما بحركة تلائمه، وهما الواو الساكنة المسبوقة بضمة، والياء الساكنة المسبوقة بكسرة. مثل المقطعين “نُوحِيـ” من الجملة “نوحيها”.

والزمن يدخلها فيما يعرف بالمد بأنواعه المتعددة: الطبيعي أو الأصلي إن لم يقابل حرف المد همزة أو سكون ومثله مد الصلة الصغرى ومد العوض؛ فإن قابل الهمزة كان المد الجائز المنفصل ومثله مد الصلة الكبرى ومد البدل، والمد الواجب المتصل. وإن قابل السكون كان المد اللازم الكلمي مثقلاً ومخففاً والحرفي مثقلاً ومخففاً.

3- حرفان يكونان حرفي علة ولين، وهما الواو والياء الساكنتين المفتوح ما قبلهما، ويسميان في علم اللغة الحديث SEMI VOWELS. والزمن يدخلهما فيما يعرف بمد اللين، مثل المد الموجود في كلمات “بَيْت، خَوْف، وصَيْف، قرَيْش” عند الوقف.

4- حرفان يكونان حرفي علة فقط، وهما الواو والياء المتحركتان، مثل الياء في “ياسر“، والواو في “وليد“.

والزمن لا يدخلهما إلا ساكنتين؛ فهما مثل الصوامت.

إذاً، الحرف الصامت إن كان متحركاً، وتلاه حرف مد – لا يكون ممدوداً، بل يكون حرف المد هو الحرف الممدود؛ لأنه امتداد للحركة لا للصامت، ولأن كلمة المد مصدر بمعنى اسم المفعول فتعني الممدود.

(3)

أتقرير الحقيقة اللغوية السابقة المتمثلة في خطأ كون الحرف الممدود هو ما سبق حرف المد مقتصر على ما سبق إيراده فقط؟

لا.

كيف؟

إن علماءنا بحثوا محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها، وقد أبان ابن جني هذه المسألة أوضح إبانة في كتابه “الخصائص” في (باب محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها)، وسأورده كاملا بعد ترقيمه للإبراز.

قال ابن جني:

[(أ)

أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف، وقال غيره: معه. وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله.

قال أبو علي: وسبب هذا الخلاف لُطف الأمر وغموض الحال، فإذا كان هذا أمرا يعرض للمحسوس الذي إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفاً وبالتوقف فيه لبساً.

فِممَّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر نحو الملل والضَفَف والمشَش كما تفصل الألف بعدها بينهما نحو الملال والضفاف والمشاش، وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت فلن تخلو حركة الأول من أن تكون قبله أو معه أو بعده؛ فلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام؛ ألا ترى أن الحرف المحرك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزاً بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر؟

ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد ، فقلب الواو ياءً يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو فكان يجب أن يقال: مِوْازن ومِوْعاد. وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها، وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما.

وأيضا فلو كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام؛ لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين، وهذا واضح.

(ب)

فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرك بها من حيث أرينا وعلى ما أوضحنا وشرحنا بقى سوى مذهب سيبويه أن يظن بها أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده، وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه. والذي يُفسد كونها حادثة مع الحرف البتة هو أنا لو أمرنا مذكرا من الطي، ثم أتبعناه أمرا آخر له من الوجل من غير حرف عطف لا بل بمجئ الثاني تابعا للأول البتة- لقلنا: اطوِ ايجلْ. والأصل فيه: اطوِ اوْجل فقلبت الواو التي هي فاء الفعل من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فلولا أن كسرة واو (اطو) في الرتبة بعدها لما قلبت ياءً واوُ (اوجل). وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها إياها في جنس الصوت (فتجتذبها) إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهو الياء، وكما أن هناك كسرة في الواو فهناك أيضا الواو وهي وفق الواو الثانية لفظا وحسا وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى؛ لأنه يروم أن يثبتهما جميعا في زمان واحد، ومعلوم أن الحرف أوفى صوتاً وأقوى جرساً من الحركة. فإذا لم يقل لك: إنها أقوى من الكسرة التي فيها – فلا أقل من أن تكون في القوة والصوت مثلها.

فإذا كان كذلك لزم ألا تنقلب الواو الثانية للكسرة قبلها لأن بإزاء الكسرة المخالفة للواو (الثانية الواو) الأولى الموافقة للفظ الثانية. فإذا تأدى الأمر في المعادلة إلى هنا ترافعت الواوُ والكسرة أحكامهما فكأن لا كسرة قبلها ولا واو. وإذا كان كذلك لم تجد أمرا تقلب له الواو الثانية ياء فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من (اطو اوجل) صحيحة غير معتلة لترافع ما قبلها من الواو والكسرة أحكامهما وتكافؤهما فيما ذكرنا، لا بل دل قلب الواو الثانية من ( اطو اوجل ) ياء حتى صارت ( اطو ايجل ) على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها. وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة فهذا إسقاط قول من ذهب إلى أنها تحدث مع الحرف، وقول من ذهب إلى أنها تحدث قبله؛ ألا تراها لو كانت الكسرة في باب (اطو) قبل الواو لكانت الواو الأولى حاجزة بينها وبين الثانية كما كانت ميم ميزان تكون أيضا حاجزة بينهما على ما قدمنا.

فإذا بطل هذان ثبت قول صاحب الكتاب وسقطت عنه فضولُ المقال.

(ج)

قال أبو علي: يقوي قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف والمتحركة مخرجها من الفم، فلو كانت حركة الحرف تحدث مِن بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضا من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها فكان ينبغي ألا تغني عنها شيئا لسبقها هى لحركتها.

كذا قال رحمه الله، ورأيته معنيا بهذا الدليل. وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له، وذلك (أنه لا ينكر) أن يؤثر الشيء فيما قبله من قبل وجوده؛ لأنه قد علم أن سيرد فيما بعد.

وذلك كثير، فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قُلبت النون ميما في اللفظ. وذلك نحو عمبر وشمباء في عنبر وشنباء، فكما لا يُشك في أن الباء في ذلك بعد النون، وقد قلبت النون قبلها فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثةُ بعدها تزيلها عن الأنف إلى الفم. بل إذا كانت الباء أبعد من النون قبلها من حركة النون فيها، وقد أثرت على بُعدها ما أثرته كانت حركة النون التي هي أقرب إليها وأشد التباساً بها أولى بأن تجذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم، وهذا كما تراه واضح.

ومما غُير متقدما لتوقع ما يرد من بعده متأخرا ضمهم همزة الوصل لتوقعهم الضمة بعدها نحو: اُقتل اُدخل اُستضعِف اُخُرج اُستخرج.

ومما يقوي عندي قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف إجماع النحويين على (قولهم): إن الواو في يعد ويزن ونحو ذلك- إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: في يَوْعِد ويَوْزِن (ونحوه) (لو خرج على أصله).

فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرك بها؛ ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين فتحة وعين وفي يوزن بين فتحة وزاى. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الواو في نحو يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحتها وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. فتأمل ذلك.

وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين:

أحدهما: أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه؛ ألا ترى أن من يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف، ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف – قد أطلقوا جميعاً هذا القول الذي هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه؛ لوقوعها بين ياء وكسرة فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم لكانوا مناقضين وموافقين لمخالفهم وهم لا يعلمون. وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم ولا يُظن بهم.

فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدرته ولا ما تصورته، وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة وهما مستثقلتان. فأما أن تماسا الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا.

وهذا كثير في الكلام والاستعمال؛ ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول صحيح معتاد إلا أنه قد يقوله من حصل بدير العاقول فهو -لعمري- بين بغداد والبصرة وإن كان أيضاً بين جرجرايا والمدائن وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة.

وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة، وإن كان أقرب إليها منهما فتحةُ الياء والعينُ. وكذلك يقال أيضاً: هو من عمره ما بين الخمسين إلى الستين فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة فهي لعمري بين الخمسين والستين إلا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلي غير مشكل. فهذا أحد الموضعين.

وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم وأن يكونوا مريديه ومعتقديه، ولو أرادوه (واعتقدوه) وذهبوا إليه لما كان دليلاً على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يُتحاكم فيه إلى النفس والحس ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سُنة ولا قديم ملة؛ ألا ترى أن إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حُجة؛ لأن كل واحد منهم إنما يردك ويرجع بك فيه إلى (التأمّل والطبع) لا إلى التبعية والشرع. هذا لو كان لا بد من أن يكونوا قد أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم]. فهذا كله يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرك بها.

(د)

وقد كنا قلنا فيه قديماً قولاً آخر مستقيماً. وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف فالفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو. فكما أن الحرف لا يجامع حرفاً آخر فينشآن معا في وقت واحد فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد؛ لأن حكم البعض في هذا جار مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصور أن حرفا من الحروف حدث بعضه مضاما لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف لا في زمان واحد ولا في زمانين. فهذا يفسد قول من قال: إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرك بها أو قبله أيضاً؛ ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف المحرك بتلك الحركة وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو ضارب ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها في نحو ضارب وقائم ونحو ذلك. وكذلك القول في الكسرة والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناهٍ في البيان والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفي بعض ما أوردناه (من هذا) كافٍ بمشيئة الله].

(4)

إذًا، الحركة تكون بعد الحرف، فتكون هي الممدودة، ومدها يُنتج حرف المد الذي هو ضعفين منها؛ لأن الحركة القصيرة بعض للحركة الطويلة كما يقول ابن جني في “سر صناعة الإعراب“: “اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين وهي الألف والياء والواو، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث، وهي الفتحة والكسرة والضمة؛ فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمة بعض الواو. وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والضمة الواو الصغيرة. وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة؛ ألا ترى أن الألف والياء والواو اللواتي هن حروف توام كوامل قد تجدهن في بعض الأحوال أطول وأتم منهن في بعض، وذلك قولك: يخاف وينام ويسير ويطير ويقوم ويسوم، فتجد فيهن امتداداً واستطالة ما. فإذا أوقعت بعدهن الهمزة أو الحرف المدغم ازددن طولاً وامتداداً، وذلك نحو: يشاء ويداء ويسوء ويهوء ويجيء ويفيء. وتقول مع الإدغام: شابّة ودابّة ويطيب بّكر ويسير رّاشد وتمود الثوب وقد قوص زيد بما عليه؛ أفلا ترى إلى زيادة الامتداد فيهن بوقوع الهمزة والمدغم بعدهن، وهن في كلا موضعيهن يسمين حروفا كوامل؛ فإذا جاز ذلك فليست تسمية الحركات حروفاً صغاراً بأبعد في القياس منه.

ويدلك على أن الحركات أبعاض لهذه الحروف أنك متى أشبعت واحدة منهن حدث بعدها الحرف الذي هي بعضه، وذلك نحو فتحة عين عمر؛ فإنك إن أشبعتها حدثت بعدها ألف فقلت: عامر. وكذلك كسرة عين عنب إن أشبعتها نشأت بعدها ياء ساكنة، وذلك قولك: عينب. وكذلك ضمة عين عمر لو أشبعتها لأنشأت بعدها واواً ساكنة، وذلك قولك: عومر. فلولا أن الحركات أبعاض لهذه الحروف وأوائل لها لما نشأت عنها ولا كانت تابعة لها”.

(5)

إذًا، ثبت بالدليل اللغوي خطأ زعم أن الحرف الصحيح يكون ممدوداً قبل حرف المد، فهل نجد دليلا في الأدلة الإرشادية على خطأ ذلك؟

نعم.

أين؟

في تحليلهم المقاطع الصوتية.

كيف؟

إن مقاطع كلمة “كَتَبَ” هي “كَـ ـتَـ ـبَ“، وعندما يحللونها يقولون: الكاف والفتحة، والتاء والفتحة، والباء والفتحة.

ما معنى هذا؟

معناه أنهم يرون “كـَ” صوتين: صامت وهو الكاف، وصائت قصير وهو الفتحة، فأين تذهب الفتحة إن كانت الكاف هي الممدودة في كلمة “كاتب” بعد تطويلها؟

إن هذا تعارض رابع يضاف إلى أوجه التعارض الثلاثة التي وردت في مقال “أوجه التعارض بين مُسَلَّمات المستوى الصوتي في القرائية“.

وإن هذا يصدقه علم الأصوات الذي يحلل الكلمة السابقة “كَـ ـتَـ ـبَ” بالصورة الآتي: “ص ح / ص ح / ص ح” حيث “ص” هي رمز الصامت أي الحرف الصحيح، و”ح” هي رمز الحرف الصائت القصير أي الفتحة. ويحلل كلمة “كَاتب” المنونة كالآتي: ” ص ح ح / ص ح/ ص ح ص”.

(6)

إذًا، لم تورد الأدلة الإرشادية هذا الخطأ إيراد الحقيقة اللغوية؟

قد يقول قائل: إن علماء النحو والصرف اهتموا بالزمن في التفريق بين أنواع الكلمة؛ فجعلوا الزمن جزءًا من الفعل، وقسموا الفعل على وفقه إلى ما هو معروف من ماض ومضارع وأمر أي بالاصطلاح الزمني: ماض، وحاضر، ومستقبل. وحاول بعض المحدثين محاكاة نظام الأزمنة في اللغات الأوروبية، فجعلوا الماضي بسيطاً ومركباً وقريباً وبعيداً، و… إلخ. لكنهم لم يهتموا بزمن حروف المباني، وهذا غيّب هذا الباب فكان ما كان؛ لأن الاهتمام بحروف المباني التي هي حروف الألفبائية زمنيا لم يحدث إلا في علم التجويد الذي يهتم بالنطق وضبطه على مستوى الحرف لارتباط ذلك بالقرآن الكريم وأدائه.

وأقول مجيباً: لا، ليس هذا عذرا لتبني الوهم تبينا يظهره مظهر الحقيقة اللغوية.

لِمَ؟

لأن التجويد هو التطوير الصوتي للدراسات الصوتية التي بدأها سيبويه في كتابه “الكتاب”، وعمّقها ابن جني في “سر صناعة الإعراب” و”الخصائص“- كما يقول دكتور غانم قدوري الحمد في كتبه. ولأن علم الأصوات الحديث يهتم بذلك، وهذا العلم يدرس في الأقسام اللغوية بالجامعات.

 

إذًا، لا يوجد مسوغ للإبقاء على هذا الوهم في الأدلة الإرشادية، فهل يُعدل مع الأخطاء الأخرى التي ذكرتها في مقالات سابقة، مثل: تحليل الكلمات المحلاة باللام الشمسية صوتياً، وخطأ عدم تنوين الكلمات المفردة في الأدلة، وخطأ إجراء التحليل الصوتي، وخطأ إيراد الحرف الساكن والمشدد من دون كتابة حرف قبلهما، وخطأ تسمية نا المتكلمين بنا الفاعلين في غير مواطن الفاعلية وسياقاتها، وترتيب حروف برنامج العلاج القرائي ترتيباً يخالف الوارد عن العرب والاعتماد في ذلك على اللهجة العامية، و… إلخ – في نشرة إدارية تصل مديريات التعليم وإداراته ريثما تعدل في الأدلة الإرشادية في طبعاتها الجديد؟

أرجو وأدعو!

ترك تعليق