من أسباب الاختلاف بين القاعدة والتطبيق
التعدد اللهجي داخل بنيان اللغة

ذكرنا طرفًا من منهج اللغويين العرب عند جمع اللغة قبل مرحلة التقعيد، ورأينا أنهم قد أدخلوا في نصوصهم المجموعة نصوص قبائل شتى، ولقد تعددت اللهجات العربية تبعًا لتعدد قبائل العرب، وكان طبعيًا أن يجد النحاة والعلماء ما من شأنه أن يدعوهم إلى إعمال فكرهم، واللجوء إلى التأويل والتوهم والاستغناء والتضمين وغير ذلك، ” فلقد كانت كل قبيلة عربية تتكلم لهجتها الخاصة بها حين يعالج الفرد شئون البيئة اليومية في حدود قبيلته، ثم تتكلم القبيلة بعد ذلك لهجتها من اللغة المشتركة بين العرب جميعًا وهي الفصحى في التخاطب مع القبائل الأخرى وحين التأنق الأدبي”[1].

والشواهد والأمثلة على التعدد اللهجي داخل بنيان اللغة كثيرة، ومن أمثلة ذلك أن سيبويه حين حمل (إلا) على معنى (لكن) لا لشيء إلا لصحة المعنى، وقد جاء ذلك في باب ترجم له بقوله:” هذا باب يختار فيه النصب؛ لأن الآخر ليس من نوع الأول”[2]. وقال: “وهو لغة أهل الحجاز؛ وذلك مثل قولك: ما فيها أحد إلا حمارًا، وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه، فحمل على معنى (ولكن)، وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم”[3]. وكثيرًا ما نجد لهجات خاصةً ببعض القبائل؛ كلغة (أكلوني البراغيث) (وما الحجازية أو التميمية)، وغير ذلك، ومثل هذه اللهجات أدت إلى تفكير النحاة في ضرورة التوفيق بين القواعد النحوية، وهذه اللهجات التي خرجت على سلطان قواعدهم.


[1] منهج البحث في اللغة، لتمام حسان، (ص40).

[2] الكتاب، لسيبويه، تحقيق: عبدالسلام هارون، المكتبة العصرية، بيروت (2 /319).

[3] الكتاب، لسيبويه (2 /319).