وظيفة القواعد النحوية

تَنبُعُ أهميةُ القَواعِدِ النَّحويّةِ من كونِها تُعلِّمُ اللُّغةَ العربيَّةَ وتُمهِّدُ لها الطَّرِيقَ، ولا بُدَّ حينَ تَعلِيمِ العربيَّة بِنصوصٍ أدبيَّةٍ فَصِيحةٍ مِن تَعلُّمِ قَواعِدِها، فهِيَ كما يَرَى الثعالبيُّ (ت429هـ): “خيرُ الُّلغاتِ والألسِنةِ، والإقبالُ علَى تَفهُّمِها من الدِّيانةِ، إذ هِيَ أداةُ العِلمِ ومفتاحُ التَّفقُّهِ فِي الدِّينِ”[1]. فتعليمُ القَواعِدِ يعني أنَّ هذِهِ الدِّراسةَ أداةٌ من أدواتِ فَهمِ نُصُوصِ القرآنِ والحدِيثِ، وبِتعليمِ قواعِدِ النَّحوِ نَكُونُ قد تَعلَّمنا أكثرَ علومِ القُرآنِ والسنَّةِ.

إنَّ وظيفةَ النَّحوِ هُوَ بيانُ قَواعدِ اللغةِ من خلالِ النصوصِ وضَبطِها، وغايتُهُ غَرسُ المقدرةِ علَى التمكُّنِ مِنها، فَهماً لأسالِيبِها، وتَعبيراً بِها، ومُقتَضى ذلِكَ أنَّ تَعليمَ النَّحو مِن هذِهِ النُّصوصِ الفَصيحةِ ليسَ غايةً لذاتِها، بل وَسيلة لغاياتٍ أخرى غيرَها. والمعلومُ أنَّ وظيفةَ العِلمِ وغاياتِه يُمكنُ أنْ تتطوَّرَ بتطوُّرِ مجالاتِهِ وتتغيَّرُ علاقاتُهُ بِتفرُّعِ أجناسِهِ.

إنَّ وظيفة القواعِدِ النحويَّة هِي دِراسةُ مُستوًى بِعينِهِ مِن مُستوياتِ اللُّغةِ، ومَعرفةِ نُظمِهِ وضَوابِطِهِ، وصِياغةِ هذِهِ النُّظمِ والضَّوابِطِ فِي صورةِ قواعدَ كليَّةٍ تُستَخلَصُ ممَّا كانَ من نُصوصٍ فَصيحةٍ، وتَبنِي أُسُسَها منها، هذا المستوى الَّذِي فيهِ ما فيهِ مِن الظَّواهِرِ والعوامِلِ، وما يتَّصلُ بِها مِن علاقاتٍ يُسمَّى الجملةَ العربيَّةَ. وما مِن شكٍّ أنَّ معرفةَ نُظُمِ الجُملةِ والعلاقاتِ المترابطةِ فِيها تَتطلَّبُ علِماً بِالأصواتِ والمعاجِمِ والأصولِ اللُّغويَّةِ، وهذا بِالضَّرُورةِ يَستَدعِي مَعرفَةً بِمبانِي الجُملةِ أي: أعنِي علمَ الصرفَ وبمعانِي الجملةِ ودِلالاتِها.

تَتَحدَّدُ وَظيفةُ القَواعدِ في ضَوءِ دراستِنا للنُّصوصِ الفَصيحةِ، بحيثُ نعرضُ للتَّحليلِ والتَّقنينِ لَها، فهِيَ تَدرسُ مُستَوى واحِداً مِن مُستوياتِ العربيَّةِ، وليسَ بِاعتبارِها قَواعدَ اللُّغةِ كلّها، وكلُّ خُطوةٍ نَخطُوها في تقعيدِ هذِهِ القواعِدِ يجبُ أنْ تَشمَلَ ما فوق هذا المستوى، أو ما دُونَهُ قديماً وحديثاً.

وقد أكَّد الدكتور علي أبو المكارم حقيقةً علميَّةً تَغيبُ عن أذهانِ كثيرٍ مِن الباحثينَ في هذا المجال، فقال: “إنَّ في اللغةِ – كما هو ثابت علميَّاً – مستوى صوتيَّاً لا يتداخَلُ فيهِ صوتٌ معَ صوتٍ إلا في ظلِّ نَظْمٍ بِعينِهِ يَدرسُها عِلمُ الأصواتِ، ومستوى بُنيَويَّاً لا تتضارَبُ فيهِ صِيغةٌ مع صِيغةٍ أخرى، ولَهُ نُظُمُهُ الدَّقيقةُ التي فَصَّلَها علمُ الصَّرف، ولها مَستوى تركيبِيٌّ لا تَختَلِفُ فِيه قاعِدةٌ معَ أُخرى بل تَتَّسِقُ جميعاً لأداءِ وظائِفِ الجُملةِ كما يُحدِّدُها عِلمُ النحو”[2].

ونرى أيضاً أنَّ وَظيفةَ القَواعِدِ النَّحويَّة لا تَنحصِرُ فِي ظاهِرة واحِدةٍ من ظواهِرِ النُّصوصِ الفَصيحةِ، بل يَدرسُ ظواهِرَها كامِلة، ويُحلِّلُ خصائِصَها كافَّة، ويُصنِّفُ علاقاتِها والروابطَ الَّتِي تربِطُها بِغيرِها في النَّصِّ، وليسَتْ كما قالَ بَعضُ النَّحويينَ إنَّ وظيفةَ القَواعدِ هِي الوُقُوفُ عِندَ ظاهِرةِ الإعرابِ والبِناءِ مُنفصِلةً عن غيرِها.

 


[1] فِقهُ اللَّغةِ وسرُّ العربيَّة: الثعالبي، عبدالملك بن محمد بن إسماعيل (ت429هـ)، تحقيق: د. خالد فهمي، القاهرة، 1418هـ، ص1.

[2] تعليم النحو العربي عرض وتحليل: د.علي أبو المكارم، القاهرة، مؤسسة المختار، 1428هـ-2007م، ص15.