من أساليب العربية

أسلوب التقرير وأدواته

التقرير في اللغة: من “أَقْرَرْت” الكلام لفلان إقرارًا؛ أي: بَيَّنْتهُ حتَّى عَرَّفْتهُ، وتقرير الإنسان بالشيء: جَعْله في قراره.

وقَرَّرْتُ عنده الخبر حتَّى اسْتَقرَّ، وصار الأمر إلى قراره.

والإقرار: الإذعانُ للحَقِّ والاعتراف به[1].

وفي الاصطلاح: “هو إلجاء المُخاطَب إلى الإقرار بأمر يعرفه”[2] لأيِّ غرَضٍ من الأغراض التي يُراد لها التقرير؛ كالإدانة واللومِ ونحو ذلك…، فالاستفهام التقريري له معنيان: التحقيق والتثبيت، والآخَر: حمل المخاطَب على الإقرار بما يعرف، وإلجاؤه إليه وطلب اعترافه[3].

فهو حَمل المخاطَب على الإقرار والاعتراف بأمرٍ قد استقرَّ عنده ثبوتُه أو نفيه[4]، ولا يَحتاج إلى جواب؛ إذ يطلب من المخاطب أن يُقِرَّ بما يُسأل عنه نفيًا أو إثباتًا، و”يجب أن يَليها الشيء الذي تقرره به”[5].

ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء: 62]، والآيةُ الكريمة محتمِلة لوجهين اثنين[6]:

الأوَّل: الاستفهام الحقيقي؛ إذا كان قوم سيدنا إبراهيم يَجهلون الفاعلَ حقيقة.

الثاني: التقرير؛ حيث يكون مُرادهم حَمل النبي إبراهيم عليه السَّلام على الإقرار بأنَّه الفاعل.

وقد فرَّق المالقيُّ بين الاستفهام والاستفهام التقريري في قوله: “والفرق بينه وبين الاستفهام – يقصد الاستفهام الحقيقي – أنَّ الاستفهام ممَّن لا يَعلم لمن يَعلم، أو يُتَوَهَّم منه العلمُ ليعلمَ، والتقرير ممَّن يَعْلم لمن يعلم لِيُثْبِتَهُ على فعله فيكون جزاءً، أو يتحقَّق أنَّه فعلَه عن قصدٍ…”[7]، فليس المراد إذًا بهذا النَّوع من الاستفهام طلب العلم؛ لأنَّه صادر ممَّن يعلَم إلى آخَرَ يَعلم، لكنَّ المقصود به هو حَمل الموجَّه إليه الكلام على الإقرار والاعتراف بما يعرف.

موضوعات ذات صلة:

1- الهمزة:

فقد تَخرج الهمزة عن الدلالة على معنى الاستفهام الحقيقي، لتفيد معانيَ أُخر؛ منها معنى التقرير، “لحمل المُخاطَب على الإقرار والاعتراف بأمرٍ قد استقرَّ عنده ثُبوته أو نفيه”[8].

و”يجب أن يلِيَ الهمزة الشَّيء الذي تُقَرِّرُه به، تقول في التقرير بالفعل: “أَضَرَبْتَ زَيْدًا؟”، وبالفاعل: “أَأَنْتَ ضَرَبْتَ زَيْدًا؟”، وبالمفعول: “أَزَيْدًا ضَرَبْتَ؟”…”[9].

2- هـل:

أورد ابنُ هشام في المغني معنى التقرير لـ “هل” عند ذِكره لتفسير ابن عبَّاس رضي الله عنه لقوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان: 1]، قائلاً: “… ولعلَّه أراد الاستفهامَ في الآية للتقرير، وليس باستفهامٍ حقيقي، وقد صرَّح بذلك جماعةٌ من المُفَسِّرين، فقال بعضُهم: ﴿ هَلْ ﴾ [الإنسان: 1] هنا للاستفهام التقريري، والمُقرَّر به مَن أنكر البعث، وقد علم أنَّهم يقولون: نعم، قد مضى دَهر طويل لا إنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أحدث النَّاسَ بعد أن لم يكونوا، كيف يَمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم؟… وقال بعضهم: لا تكون “هل” للاستفهام التقريري؛ وإنَّما ذلك من خصائص الهمزة، وليس كما قال[10][11].

المصدر: شبكة الألوكة


[1] انظر مادة “قَرَرَ” في اللسان، وأقرب الموارد في فُصح العربية والشوارد؛ سعيد الخوري الشرتوني، منشورات آية الله العظمى المرعشي بقم إيران، مادة “قرر”.

[2] شرح الكافية؛ الرضي الإستراباذي، تصحيح وتعليق: يوسف حسن عمر، الطبعة الثانية، عن منشورات جامعة قار يونس بنغازي، سنة 1996، 4/ 83.

[3] شروح التلخيص: مختصر العلامة سعد الدين التفتازاني على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني، مواهب الفتَّاح في شرح تلخيص المفتاح؛ لابن يعقوب المغربي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح؛ لبهاء الدين السبكي، نشر أدب الحوزة، 2 / 307.

[4] مغني اللبيب عن كتب الأعاريب؛ ابن هشام الأنصاري، تحقيق وشرح: عبداللطيف محمد الخطيب، ط1، السلسلة التراثية، الكويت سنة 2001، 1/ 95.

[5] مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، 1/ 95 بتصرف.

[6] المغني 1/ 95.

[7] رصف المباني في شرح حروف المعاني؛ أحمد بن عبدالنور المالقي، تحقيق: أحمد الخرَّاط، نشر بدمشق، من مطبوعات مجمع اللغة العربية، ص: 136.

[8] المغني 1/ 95.

[9] المغني 1 / 95.

[10] يقصد المُصَنِّف أبا حيَّان؛ فقد جاء في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع؛ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبدالعال سالم مكرم، عالم الكتب، سنة 2001، 4/ 394: “قال أبو حيَّان: والمعروف أنَّ ذلك للهمزة دون (هل)”، وقد أنكر سيبويه قبل أبي حيان مجيءَ “هل” للتقرير، جاء في الكتاب، تحقيق: عبدالسلام هارون، ط 2 نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1977، 3/ 176: “ومِمَّا يَدُلُّكَ على أنَّ ألف الاستفهام ليست بمنزلة “هل” أَنَّكَ تقول للرَّجل: أَطَرَبًا؟ وأنتَ تعلم أنَّه قد طرب؛ لتوبِّخه وتُقَرِّره، ولا تقول هذا بعد (هل)”. وأنكر المالقيُّ مجيءَ “هل” للتقرير، قال في رصف المباني في شرح حروف المعاني، ص 407: “وزعَم بعضُهم أنَّ “هل” في الآية – يقصد الآية الأولى من سورة الإنسان – للتقرير، وهذا مردود؛ لأنَّه لم يَثبت في “هل” معنى التقرير، فيُحمل هذا عليه”.

[11] المغني 4/ 341 و342.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام