أثر إستراتيجية إعراب الفقرات إعرابًا كاملاً
في اكتساب طالب اللغة العربية مهارات النحو
وتحسين اتجاهاته نحوه

(1)

إن النحو ينظِّم العلاقة بين كلمات الجمل؛ فيبيِّن علاقة الكلمة بلاحقتها وسابقتها؛ على وفق نظرية العامل التي بُني عليها النحو العربي، والتي يحاربها كثيرٌ من المحدَثين بدعاوى كلها لم تثبت، وكذلك ينظم علاقة الجمل التي لها محل من الإعراب والتي لا محل لها من الإعراب بما قبلها وبما بعدها.

ما نظرية العامل؟

إنها النظرية التي تصوغ أبواب النحو العربي، والتي تتمثل في المقدّمة الثانية من مقدّمات النحو تحت عنوان “البناء والإعراب”؛ حيث ترى فيها فلسفة النحو إجمالاً.

وترتكز نظرية العامل على مكوِّناتها التي هي:

1- العامل الذي يكون معنويًّا ولفظيًّا، والمعنوي في رفع المبتدأ والفعل المضارع؛ لذا لا مجال له في الصيغة الإعرابية، واللفظي ما يَظهر في الصيغة مثل الأفعال وحروف الجر وحروف النصب وأدوات الجزم و… إلخ.

2- المعمول الذي يمثّل المواقع الإعرابية في الرفع والنصب والجر، مثل المبتدأ والخبر، والفاعل واسم كان وخبرها، واسم إن وخبرها، والمضاف إليه و… إلخ.

3- العمل الذي هو الحالة الإعربية من رفع وجر وجزم ونصب، ويكون ظاهرًا أو محليًّا.

4- العلامة التي هي رمز العمل، وتكون أصلية ظاهرة ومقدرة، وفرعية بالحروف وبالحركات ممثلة كسرة نصب جمع المؤنث السالم، وفتحة جر الممنوع من الصرف.

وهذا مثال للمعمول من جملة “جلس محمد يذكر ربه في خلوته”:

محمد: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

رب: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

و… هكذا.

وذاك مثال لإعراب العامل من الجملة السابقة:

جلس: فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظاهر، لا محل له من الإعراب.

يذكر: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرُّده من الناصب والجازم، أو لوقعه موقع الاسم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

وذلك مثال لإعراب العامل الحرفي في هذه الجملة “لن ينتهك المؤمن الحرمات”:

لن: حرف نصب ونفي واستقبال، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.

(2)

إذًا، النحو العربي يتأسس على نظرية العامل بمكوناتها الأربعة: العامل، والمعمول، والعمل، والعلامة، ومن يتقن المقدمة النحوية المشار إليها آنفًا يكون ضم النحو مجملاً في ذهنه، لكن المتعلم لا يتعلَّمها على وَفْق ذلك منذ الصِّغر.

كيف؟

إن دراسة النحو تبدأ منذ الصغر في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية دراسةً غيرَ مباشرة، ثم تبدأ الدراسة المباشرة من الصف الرابع الابتدائي، فيدرسون رُكنَي الجملة الفعلية من فعل وفاعل، وركني الجملة الاسمية من مبتدأٍ وخبر.

ثم تزداد الموضوعات النحوية بمرور السنوات، فيدرسون في الصف الخامس شيئًا من المنصوبات يضم المفعول به والمفعول له والمفعول المطلق، وشيئًا من المجرورات في باب الإضافة، ثم يدرسون في الصف السادس الجملة المنسوخة بـ”كان وأخواتها وإن وأخواتها”، والنعت المفرد والحال المفردة بعد دراسة الجملة الاسمية الأصليَّة وأنواع خبرها، ويَدرُسون الأفعال الخمسة والأسماء الخمسة.

وينتقلون إلى المرحلة الإعدادية، فيُواصلون دراسة المزيد من المنصوبات؛ كالتمييز، والحال بأنواعه الثلاثة، والنعت بأنواعه الثلاثة، والمجرورات والمرفوعات، و… إلخ.

ثم يدرسون الصرف؛ فيدرسون أسماء الفاعلِين، وصِيَغ المبالغة، والمفعولين، والآلة، والمكان والزمان، وأفعل التفضيل، ويتناولون السابق نحويًّا ببيان مواقعها الإعرابية المختلفة.

هذا في الدراسة النظرية التي تختلف موضوعاتها على وفق التنظيم الرأسي لموضوعات النحو من سنة إلى سنة تالية، فماذا عن الإعراب التطبيقي؟

إنه لا يختلف من سنة إلى أخرى.

كيف؟

إنه يخضع لإستراتيجية إعرابِ المفردات المختارة.

وماذا في ذلك؟

فيه العديد من الإشكالات التي تؤدي إلى ذلك الضعف الظاهر في مستوى القواعد اللغوية لدى طلاب اللغة العربية؛ مما لا يُنكره قاصٍ ولا دانٍ.

ما هي؟

إنها: الاقتصار على مقرر العام الدراسي الآنيِّ، بل الفصل الدراسي، وإهمال ما دُرِس سابقًا، وعدم إدراك الطالب الصلةَ بين مفردات الجملة كلها، بلهَ علاقة الجمل بعضها ببعض، واستشعار الطالب صعوبة النحو إن اختِيرَت له كلمات من خارج مقرَّره حتى لو كان قد درسها سابقًا، و… إلخ.

يحدث هذا على الرغم من تكامل موضوعات النحو من سنة إلى سنةٍ لاحقة، ومن اعتماد اللاحق من موضوعاته على السابق منها، ومن حضور معلومة إمكانية الإتيان بمعلومة سابقة في اختبار أي عام دراسي؛ فالمعلم يقولها للطلاب، والطلاب يَعرفونها معرفة نظرية، لكنهم لا يهتمون؛ لأن المعلم يقولها ثم ينساها في خضمِّ تنفيذه إستراتيجية إعراب المفردات المختارة.

ويظل الأمر مستمرًّا في هذا الاتجاه في المرحلة الثانوية، وقد يستمر في بعض الكليات التي تدرِّس اللغة العربية عندما يَغيب الإعراب التطبيقيُّ الكامل، فيتخرج الطالب في هذه الكليات وهو لا يمتلك مهارات الإعراب.

(3)

ما مهارات الإعراب؟

إن المهارة في شيء ما تَعني القدرة على أدائه في يُسر؛ أي: في وقت أقل، وجهد أقل، ودقة عالية، وإن مكوناتها تشتمل على ثمانية أشياء، هي: اسم المهارة، والتهيئة لها في ذهن المتعلم، وبيان أهميتها وأهدافها، ووجود نموذج من خبير بها، ثم ممارسة موجَّهة يَشترك فيها المعلم والمتعلم معًا، ثم ممارسة مستقلة يَنفرد فيها المتعلم بنفسه، ثم التطبيق، ثم التقويم.

وإن مهارات الإعراب تشمل: إجراء الصيغة الإعرابية بيُسر؛ أي: بأقلِّ وقت، وأقل جهد، ودقة عالية، واستخراج الموضوعات النحوية التي درَسها في السنوات التي تَسبق سنته الدراسية، وحضور النحو مجملاً ومفصلاً في ذهنه؛ كما ورد في المقدمة المشار إليها آنفًا، والتصرُّف في صياغة المطلوب من إسنادٍ وتثنيةٍ وجمع، وتذكير وتأنيث، و…. إلخ.

(4)

لماذا الصيغة الإعرابية؟

قد يرى البعض الصيغة الإعرابية شيئًا غير مهم، لكن ذلك يجافي الحقيقة النحوية التي تقرُّ أن الصيغة تمثل خلاصة الدرس النحوي؛ فهي مقياس التعبير الإعرابي الذي يستمد ماهيته من هضم وتمثل النحو بكل دقائقه.

لماذا؟

لأنها تتصل بكل النحو وتبيِّن فلسفته؛ فهي تبين “نوع الكلمة” في أول أجزائها في قولنا: حرف أو فعل أو اسم، ثم توضح نوع الحرف والفعل والاسم في قولنا: حرف جر أو حرف عطف أو…، وفعل ماض أو فعل مضارع أو فعل أمر، واسم إشارة أو اسم موصول أو ضمير…

ثم تكشف عن الموقع الإعرابي في قولنا: فاعل أو مفعول أو اسم مجرور، أو تخبرنا أن المذكور ليس له محل من الإعراب، ثم تكشف الحالة الإعرابية في قولنا: مرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم، وتوضح العلامة الإعرابية؛ أصليةً كانت أو فرعية، ظاهرة أو مقدرة، وقد تذكر سبب العلامة فتُشير إلى الأبواب النحوية، وذلك في قولنا:… لأنه ممنوع من الصرف، أو لأنه فعل من الأفعال الخمسة، أو لأنه جمع مذكر سالم أو… إلخ.

وقد تحدد آخر الكلمة إذا اعتمدنا الموضع في قولنا: … وعلامة الرفع أو النصب أو الجر على حرف… وهذه تتضح أهميتها في الأفعال والحروف والأسماء المتصلة بلواحِقَ قد تؤدي إلى حدوث لبس في تحديد نهاية الكلمة المعربة.

لكل هذا كانت الصيغة الإعرابية التحليلية والمجملة مهارةً نحوية دالَّة على تمكن المتعلم من مهارات النحو والصرف.

(5)

ماذا نفعل لتكوين الملَكة الإعرابية عند الطالب؟ وماذا نفعل لتحسين اتجاهات المتعلم نحو تعلُّم النحو؟

نغيِّر إستراتيجية إعراب المفردات إلى إستراتيجية إعراب الفقرات إعرابًا كاملاً؛ فنغيِّر المعتاد في الأعاريب المدرسية في مراحل التعليم كلها من اختيار كلمات تطبيقيَّة على الدروس للإعراب بطريقة: أعرِب ما تحته خط، أو ما بين القوسين، أو ما شابه ذلك؛ فهو لا يفيد الطالب ولا يَبني ملَكة نحوية.

نغيره إلى الإعراب الفقري أو النصي القصير.

كيف؟

نختار فِقرة من أي موضوع يَدرُسه المتعلم في القراءة أو نصًّا قصيرًا، ونطلب منه إعرابه إعرابًا كاملاً؛ لأن ذلك يمثل سياقات لغوية طبيعية لا تَكون مصنوعةً لغرض الإعراب فقط كما هو الأمر في إستراتيجية إعراب المفردات المختارة.

ما فائدة ذلك؟

إنه يَبني الملكة النحوية؛ لأنه سيتعامل مع أساليبَ لغوية في بيئتها، فيصادف الأشكال التعبيرية كافةً لتقلُّبات الكلام في الجمل؛ من تقديم وتأخير، وحذف وذِكر، وإضمار وإظهار و… إلخ، ولا يكون الأمر كما في الأمثلة المصنوعة من التزام التكوين الأصلي للجملة، فإذا أراد الطالب أن يبحر مع السياقات اللغوية الأصيلة فإنه يغرق.

فإذا اعتاد الطالب ذلك وألِفَه ارتقى إلى المرحلة العليا.

ما هي؟

إنها التعامل النحوي مع النصوص الكبيرة الكاملة، كأن يبحر في اعتياد قراءة أعاريب القرآن الكريم وأعاريب الأشعار، مثل سورة قرآنية أو قصيدة شعرية أو نص نثري، ولحظتها سيكون قد تمثَّل المعانيَ النحوية التي وصفها الجرجاني بأنها أصل البلاغة في تأسيس نظريته عن النظم.

(6)

ما ضوابط استعمال إستراتيجية إعراب الفقرات الكاملة أو النصوص القصيرة؟

وجود النموذج من المعلم المتمكِّن الذي يلتزم بتوجيههم في أثناء الإعراب التعليمي منه، والتدريبي المشترك بينهما، والتطبيقي منهم- بالالتزام بـ:

1- ما درسوه يعربونه إعرابًا تفصيليًّا.

2- ما لم يدرسوه يعطيهم المعلم معلومات مختصرة عنه، يكتبونها في الصيغة الإعرابية.

3- إعراب الجمل التي لا محل لها من الإعراب.

4- بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وكيفية معرفتها.

5- بيان مرجع الضمير.

6- بيان مرجع اسم الإشارة.

(7)

أرى ثمرة هذه الإستراتيجية نظريًّا منذ زمن، وقد نفذتُها بالضوابط السابقة على عيِّنة محدودة من طلاب الثالث الإعدادي وطلاب المرحلة الثانوية، فظهر الفرق واضحًا.

كيف؟

أجريت اختبارًا قَبليًّا أظهر الأخطاء النحوية الشائعة التي تمثل واقع الطلاب مع قواعد اللغة العربية في النحو والصرف، ثم بدأنا نُعرب الفقرات الكاملة من كتاب “الامتحان في اللغة العربية” مرتين في الأسبوع، على مدى أربعة أسابيع، ثم أجريتُ الاختبار البَعدي، فظهر الفرق المشار إليه آنفًا الذي تمثل في:

1- انضباط الصيغة الإعرابية.

2- وضوح صورة الجملة ذهنيًّا.

3- اكتساب الطلاَّب اتجاهًا إيجابيًّا نحو إدراك علاقات الجمل في الفقرة بعضها ببعض.

4- تحسُّن اتجاهاتهم لدراسة النحو؛ فمن جهل شيئًا عاداه، ومن ألِفَ شيئًا استسهله.

وأشياء أخرى سيَراها مَن ينفذ تلك الفكرة عن رضًى وقَبول، ودافعية حقيقية.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق