الفاعل في اللغة العربية

«هو اسم أو شبهه أُسنِدَ إليه فعلٌ متقدم تام مبني للمعلوم»، سواءٌ وقع منه الفعل مثل: حضرَ زيدٌ، أم قام به مثل: مات الرجلُ، وسواء كان الفاعل اسمًا صريحًا كما في المثالين السابقين، أم كان مؤولًا به مثل: يجب أن تجتهدَ، فاعل يجب هو المصدر المؤول من أن المصدرية والفعل، والتقدير: يجب اجتهادُك، ومثل: ظَهَرَ أنك صادق، فاعل ظهر هو المصدر المؤول من أنّ ومعمولَيها والتقدير: ظهرَ صدقُك.

وسواء كان الفعل صريحًا كما في الأمثلة السابقة، أم كان شبيهًا بالفعل مثل: زيد قائمٌ أبوه، فأبوه فاعل قائم الذي هو اسم فاعل، ومثل: زيد بعيدٌ دارُه، فداره فاعل بعيد الذي هو صفة مشبهة، ومثل: هَيهاتَ الرجوعُ، فالرجوع فاعل هيهات الذي هو اسم فعل بمعنى بَعُدَ.

ولا بد أن يكون الفعل متقدمًا على الفاعل، فإن قلتَ في سافر زيدٌ: زيدٌ سافرَ، فزيد مبتدأ، والجملة من سافر وفاعلها المستتر في محل رفع خبر.

ولا بد أن يكون الفعل تامًّا، فلو كان ناقصًا مثل: كان الرجل نائمًا، كان الرجل اسمًا لكان لا فاعلًا.

ولا بد أن يكون مبنيًّا للمعلوم، فلو كان مبنيًّا للمجهول مثل: قُتِلَ اللصُّ، كان اللص نائبًا عن الفاعل لا فاعلًا.

وحكمُ الفاعلِ الرفعُ مثل: قامَ زيد، وحضرَ موسى، وسافرَ المحامي، ونجحَ التلميذان، وجلسَ أخوك، وفاز المتَّقون، فالفاعل في الجميع مرفوع: الأول بالضمة الظاهرة، والثاني والثالث بالضمة المقدرةِ، والرابع بالألف، والخامس والسادس بالواو.

ومن أحكام الفعل ألا تلحقه علامةُ تثنيةٍ أو جمعٍ إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعًا، فكما تقول: حضرَ الرجل تقول: حضر الرجلان، وحضر الرجال، وصدقت النسوة، وورد في لغةٍ ضعيفةٍ ما يخالف ذلك، ومنه قول الشاعر[1]:

…………….. وقـد أسْلَماهُ مُبعَـدٌ وحَمـيمٌ

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم[2]: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار». وقد أوَّلَ ذلك بعض النحاة بأنَّ الفاعل الألف في (أسلماه) والواو في (يتعاقبون)، أمَّـا ما بعدهما فَبَدَلٌ.


موضوعات ذات صلة:

تأنيث الفعل للفاعل:

إذا كان الفاعل مؤنثًا لحِقت آخر الفعل الماضي تاءٌ ساكنةٌ مثل: سافرت فاطمة، وتاء متحركة إذا كان [العامل] وصفًا مثل: هند مسافرة [أمها][3]، ويكون حرف المضارعة تاءً إذا كان الفعل مضارعًا مثل: تسافر هندٌ، وتأنيث الفعـل[4]؛ إمَّا جائز أو واجب أو ممتنع.

الجائز في أربع حالات، وهي:

1- أن يكون الفاعلُ مجازيَّ التأنيث، مثل: طلعت الشمسُ، وانتهت الحرب، وانشقت السماء، ويجـوز أن تحذف التاء، لكن التأنيث أرجـح.

2- أن يوجد بين الفعل والفاعل فاصل مثل: سافرت اليوم فاطمةُ، وقرأت الكتابَ سعادُ، ويجوز حذف التاء، لكنَّ إثباتها أفصحُ.

3- أن يكون الفعل نعم أو بئس، مثل: نعمت المرأة فاطمةُ، وبئست المرأة سعاد، ويجوز أن يقال فيهما: نعم وبئس.

4- أن يكون الفاعلُ جمعَ تكسير ولو كان لمذكر؛ مثل: قالت الرجال، وفي القـرآن: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا [الحجرات: 14]، فالتأنيث على معنى الجماعة والتذكير على معنى الجمع.

والواجب في حالتين:

1- أن يكون الفاعل حقيقيَّ التأنيث غير مفصول عن الفعل ولا واقع بعد نعم أو بئس. سواء كان الفاعل مفردًا أم مثنى أم مجموعًا جمعَ مؤنثٍ سالِمًا، مثل: حضرت المرأة، وسافرت البنتانِ، ورَبحت الصادقاتُ، وفي القرآن الكريم: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [القصص: 9].

2- أن يكون الفاعلُ ضميرًا يعود إلى مؤنث حقيقي أو مجازي مثل: فاطمة سافرت، والشمس طلعت.

والممتنع في حالتين:

1- أن يكون الفاعل مذكرًا، سواء كان مفردًا أم مثنى أم مجموعًا جمعَ مذكر سالمًا، مثل: جاء خالد، وسافر الرجلان، وفاز المخلصون، ويدخل في هذا المؤنث اللفظي، تقول: سافر طلحة.

2- أن يقع الفاعل بعد (إلا)، ولو كان مؤنثًا حقيقيًّا؛ مثل: ما سافر إلا فاطمةُ، فإلا أداة حصر ملغاة، وما بعدها فاعل، والفاعل في الحقيقة هو المستثنى منه المحذوف، وهو مذكر، والأصل: ما سافر أحدٌ إلا فاطمة.

حذف الفاعل:

هناك مواطنُ يُحذَفُ فيها الفاعل، منها:

1- ما تقدم آنفًا من حذف المستثنى منه في الاستثناء المفرغ.

2- فاعل المصدر؛ كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [البلد: 14، 15]، فاعل إطعام محذوف، والتقدير إطعامُه يتيمًا، والهاء يعود إلى فاعل اقتحم العقبة، فالمصدر مضاف إلى فاعله المحذوف.

3- في بناء الفعل للمجهول تقول في فَتَحَ زيدٌ البابَ: فُتِحَ البابُ.

4- فاعل (أَفعِلْ) في التعجب، إذا دلَّ عليه دليل متقدم عليه، تقول: أنْعِم بالعرب وأكْرِم، أنعم فعل تعجب، والباء حرف جر زائد، والعرب فاعل، وفاعل أكرمْ محذوف والتقدير: وأكرم بهم، ومنه قولُه تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ [مريم: 38]، وسيأتي بيانه في موضوع التعجب.

تقديم الفاعل على المفعول به وبالعكس:

حق الفاعل أن يقع بعد الفعل مباشرةً، وحق المفعول أن يقع بعد الفعل وفاعله؛ تقول: أكرَمَ خالدٌ زيدًا؛ قال تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [النمل: 16]، وتقديم الفاعل إمَّا واجب أو جائز أو ممتنع.

الأول: الجائز، وذلك في الحالات التي لا يجب فيها التقديم ولا التأخير؛ تقول: أكرم خالد زيدًا، وأكرم زيدًا خالد، ولا يحصل في ذلك التباسُ الفاعل بالمفعول به؛ إذ من الواضح أن المرفوع هو الفاعل، وأن المنصوب هو المفعول به.

الثاني: يجب تقديم الفاعل على المفعول في الحالات الآتية:

1- إذا كان الفاعل ضميرًا متصلًا بالفعل؛ مثل: أكرمتُ خالدًا؛ إذ لو أخَّرنا الفاعل فقلنا: أكرم خالدًا أنا، لانفصل الضمير مع إمكان اتصاله، وذلك لا يجـوز.

2- إذا حصل بتأخير الفاعل التباسه بالمفعول به؛ مثل: أكرَمَ موسى عيسى؛ لأن ضمة الفاعل وفتحة المفعول مقدرتان، لذلك أوجبوا أن يكون الأول هو الفاعل خشيةَ الالتباس. أمَّـا إذا دلَّت قرينة لفظية أو معنوية على تعيين الفاعل، فالتقديم والتأخير جائزان؛ مثال القرينة اللفظية: أكرم موسى الفاضلُ عيسى، أو أكرم موسى عيسى العاقلَ، فرفع الصفة في الجملة الأولى دلَّ على أن الفاعل موسى، ونصبها في الجملة الثانية دلَّ على أن عيسى هو المفعول به، ومثل أكرمتْ موسى ليلى، فتاء التأنيث دلَّ على أن الفاعل ليلى، ومثال القرينة المعنوية: أرضعت الصغرى الكبرى، فالقرينة المعنوية دلَّت على أن الكبرى هي المرضعة، ومثل: أكل الكمثرى موسى، فالقرينة المعنوية دلت على أن الآكل موسى.

الثالث: يمتنع تقديم الفاعل على المفعول به فيما يأتي:

1- إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول به؛ مثل: أكرم زيدًا أخوه؛ إذ لو قدَّمنا الفاعل، فقلنا: أكرم أخوه زيدًا لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً، وهذا غير جائز، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة: 124].

2- أن يتصل بالفعل ضمير للمفعول به مثل: أكرمني أخوك؛ إذ لو قدَّمنا الفاعل فقلنا: أكرم أخوك إياي، لانفصل الضمير مع امكان اتصالِهِ وهـذا لا يجـوز.

تقديم المفعول به على الفعل والفاعل:

يجـوز تقديم المفعول بـه على الفعل وفاعله، مثل: زيدًا أكرمتُ، ومنه قـوله تعالى: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ [الأعراف: 30]، فالمتقدم مفعول هَدى، والفاعل ضمير مستتر.

وقد يكون هذا التقديم واجبًا وذلك إذا كان المفعول اسمًا له الصدارة في الكلام؛ كأسماء الاستفهام وأسماء الشرط، تقول: مَنْ ضَربتَ؟ فَمَنْ في محل نصب مفعول مقدَّم؛ قال تعالى: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110]، أيًّا مفعول مقدَّم لتدعوا، والواو فاعل، فقد تقدَّم المفعول به على الفعل وفاعله؛ لأنه اسم شرط[5].

نِعْمَ وبِئسَ:

هما فعلان جامدان، الأول للمدح والثاني للذم، وقد أوردهما كثير من النحاة في موضوع الفاعل؛ لأن فاعلهما يشترط فيه شروط خاصة، تقول: نعم القائدُ خالدٌ، وبئس التاجرُ زيدٌ، فالقائد والتاجر فاعلان لنعم وبئس، والمخصوص بالمدح خالد، وبالذم زيد، ويُعْرَب المخصوص مبتدأً مؤخرًا، وتكون الجملة قبله خبرًا مقدمًا، لذلك يصح أن يقدم المخصوص.

ويجوز أن يحذف المخصوص إذا دلَّ عليه دليل؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 44]، المخصوص محذوف تقديره هو، أي أيوب عليه السلام.

ويشترط في فاعل نعم وبئس أن يكون معرفًا بأل كما في الأمثلة السابقة، أو مضافًا إلى معرف بأل مثل: نعم جزاءُ المؤمنين الجنةُ، وبئس مثوى الكافرين النارُ، وقد يكون فاعلهما (ما) مثل: نعم ما (أو نِعِمَّا) صَنَعْتَ، وبئس ما قُلتَ، والمخصوص محذوف فيهما، تقديره في الأولى صُنعُكَ، وفي الثانية قولُك.

وإذا وقع بعد نعم أو بئس اسم نكرة وجب نصبه على أنه تمييز، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا يفسره التمييز؛ مثل: نعم صاحبًا الكتابُ، وبئس جليسًا الكاذبُ، الفاعل فيهما ضمير مستتر تقديره هو؛ أي: الصاحب والجليس؛ قال تعالى: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف: 50].

المصدر كتاب: توضيح قطر الندى

تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس


[1] هو عبدالله بن قيس الرقيات؛ انظر: شرح ابن عقيل ص 226 و849. ع

[2] هذا الحديث رواه البخاري بهذا اللفظ في (مواقيت الصلاة) [530]، ورواه في (بدء الخلق) [3051] بلفظ: «إنّ الملائكة يتعاقبون فيكم…» إلخ، وكذلك رواه باللفظ الأخير مسلم في صحيحه [632]، قلتُ: لفظ (إن) ليس في الصحيحين، وهو في النسائي؛ كما جاء في فتح الباري (2 /34). ع

[3] ما بين المعكوفتين زيادة مني. ع

[4] المؤنث إمَّا حقيقي وهو ما كان لأنثى من حيوان أو إنسان، وإمَّا مجازي وهو ما لم يكن كذلك كشمس وأرض وسماء، واللفظي ما كان لمذكر آخره تاء مثل طلحة.

[5] ما: زائدة، تدعوا: فعل مضارع، فعل الشرط مجزوم بحذف النون، والواو فاعل، فله: الفاء رابـطة لجـواب الشرط، له: جـار ومجـرور خبر مقدَّم، الأسماء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، الحُسنى: صفة مرفوعة بضمة مقدرة، والجملة في محل جزم جواب الشرط.