أضَاعَ من الضوع أو الضيع؟

د. أورنك زيب الأعظمي[1]

ذكر المعجميُّون أنَّ (أضَاعَ) من الضوع كما هو من الضياع فهو لازمٌ ومتعدٍّ معًا، ولكن ذكروا أنَّ اللازم من الضوع يأتي إيجابيًّا كما مثَّلوا ما أنشده العباس من قول الشاعر:

إن كنتَ ذا زرع ونخل وهجمة 
فإني أنا المُثري المُضيعُ المُسودُ[2] 

أي: من نمت ضيعته وازدهرت.

وأما الإضاعة سلبيًّا فلم يشيروا إليه، وقد جاء أيضًا في كلام العرب؛ فقال العباس بن مرداس:

إذا طالت النجوى بغير أولي النهى 
أضاعتْ وأصغتْ خدَّ من هو فارد[3]
 

وهو سلبي بمعنى ضاع (ضوع)؛ أي: فشا؛ كما قال كثيِّر عزة:

وإني لما استودعتني من أمانة 
إذا ضاعتِ الأسرار للسرِّ دافن[4]

وقال أبو ذويب الهذلي:

وما يحفظُ المكتوم من سرِّ أمره 
إذا عُقَدُ الأسرارِ ضاع كبيرُها[5]

وعلى هذا فأرى أنَّ (تضيع) في قول الأحوص الأنصاري التالي:

لعمرك ما استودعتُ سرِّي وسرَّها 
سوانا حذارًا أنْ تُضيع السرائر[6]

من الضوع لا من الضياع ولو أنَّ المعنى يؤيِّد أيضًا كونه من الضياع، ولكن الشعراء لم يستخدموا فعل (ضَاعَ يَضِيْعُ) للسر، بل لهم تعبيرات أخرى.

وأما كون الإضاعة (من الضيع) متعديًا، فهو يأتي سلبيًّا دائمًا؛ كما قال عبدالرحمن بن الحكم:

لحا الله قيسَ بن عيلان إنها 
أضاعتْ ثغورَ المسلمين وولَّت[7]

وقال معن بن أوس المزني:

وما إن تحِلُّ لامرئ ذي قرابةٍ 
تلادُ ابنِ عمٍّ أن يكون أضاعها[8]

وقال لبيد بن ربيعة العامري:

فقوما فقولا بالذي قد علمتما 
ولا تخمِشا وجهًا ولا تحلِقا شَعَرْ 
وقولا هو المرءُ الذي لا خليلَه 
أضاعَ ولا خان الصديقَ ولا غَدَرْ[9] 

وأنشد ابن بري للعرجي:

أضاعوني وأي فتًى أضاعوا 
ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغر[10]

وقال أبو خراش الهذلي:

ولم يك مثلوجَ الفؤاد مُهَيَّجًا 
أضاع الشبابَ في الربيلة والخفض 
ولكنه قد نازعته مجاوعُ 
على أنه ذو مِرَّةٍ صادقُ النهض[11] 

وأما قول خالد بن زهير الآتي:

إذا ما رأيتَ نسوة عند سوءة 
فإنَّ نساء معقلٍ أخواتها 
فكن معقلًا في قومك ابن خويلد 
ومسِّكْ بأسبابٍ أضاع رُعاتُها[12] 

فيمكن أن يكون لازمًا كما يمكن أن يكون متعديًا؛ أي: مات رعاتها، أو أضاعها رعاتها، والثاني أقرب؛ فالعزة كالثغر يجب حمايتها.

ولا تدخل عليه سوى اللام كما قال الأقيشر الأسدي:

سريعٌ إلى ابنِ العمِّ يلطُطُ وجهَه
وليس إلى داعي الندى بسريع 
حريصٌ على الدنيا مضيعٌ لدينه 
وليس لما في بيته بمضيع[13] 

وأما القرآن الكريم، فيورده متعديًا من الضيع؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].

وقال: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195].

وجاء في سورة مريم: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].

ونحمده تعالى على أنه وفَّقنا لخدمة اللغة العربية التي شرَّفها بتنزيل رسالته النهائية فيها.

المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.

2- أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م.

3- أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد للعلامة سعيد الخوري الشرتوتي، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران، 1374هـ.

4- تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبدالستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1965م.

5- ديوان أبي ذويب الهذلي، تحقيق وشرح: د. أنطونيوس بطرس، دار صادر، بيروت، ط1، 2003م.

6- ديوان الأقيشر الأسدي، صنعة: د. محمد علي دَقَّة، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م.

7- ديوان العباس بن مرداس السلمي، جمع وتحقيق: الدكتور يحيى الجبوري، مؤسسة الرسالة، ط1، 1991م.

8- ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، 1996م.

9- ديوان كُثَيِّر عَزَّة، جمع وشرح: د. إحسان عبَّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م.

10- ديوان لبيد بن أبي ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، د.ت.

11- ديوان معن بن أوس المزني، صنعة د. حمودي القيسي وحاتم صالح الضامن، مطبعة دار الجاحظ، بغداد، 1977م.

12- شرح ديوان الحماسة للعلامة التبريزي، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى.

13- شرح ديوان الحماسة، كتب حواشيه: غريد الشيخ، وضع فهارسه العامة: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م.

14- شعر الأحوص الأنصاري، جمع وتحقيق: عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط2، 1990م.

15- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطَّار، دار العلم للملايين، بيروت، 1956م.

16- كتاب العين للخليل الفراهيدي، ترتيب وتحقيق: الدكتور عبدالحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م.

17- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.

 


[1] مدير تحرير “مجلة الهند” وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي.

[2] لسان العرب: ضوع.

[3] شرح ديوان الحماسة، 1/ 168، وديوانه، ص 54.

[4] ديوانه، ص 380.

[5] ديوانه، ص 126.

[6] شعره، ص 147.

[7] شرح ديوان الحماسة، 2/ 893.

[8] ديوانه، ص 87.

[9] ديوانه، ص 79.

[10] لسان العرب: ضيع.

[11] شرح ديوان الحماسة، 1/ 516.

[12] ديوان الهذليين، 1/ 162.

[13] ديوانه، ص 92.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق