العدول النظامي للتراكيب النحوية

والعدول الذي أقصده هاهنا هو الخروجُ عن قواعد النحو وأقيسة النحاة، ويلحظ أنَّهيرد في غالب الأحيان في المتشابه من القرآن أكثر منه في آيات الأحكام، كما يبدو أنه عملية كانت واضحة عند المتقدمين من مفسري القرآن العظيم؛ حيث اتسمت دراساتهم بهذه الظاهرة بالتناول الجزئي، وهو قسمان:

الأول: العدول النظامي، كالعطف على التوهم، والعطف على المعنى، والعطف على الموضع، وحمل المفرد والمثنى والجمع بعضٍ على بعض، والتضمين، والتناوب، والاتساع، والنقل.

والثاني: العدول النحوي، وهو ما يبدو خروجًا على قواعد النحو، كالتقديم والتأخير، والحذف والزيادة، وكل ما يدخل تحت باب (التقدير النحوي) لدى النحاة.

فأما العدول النظامي الذي وقف أمامه كل من الخليل الفراهيدي والسمين الحلبي؛ فمن أمثلته: ” العطف على التوهم ” كقوله تعالى: ﴿ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ حيث ذهب السمين إلى ما ذهب إليه الخليل، في جزم الفعل المضارع(وأكُنْ) على توهُّمِ الشرطِ؛ الذي يَدُلُّ عليه التمني، وليس الجزم فيه بالعطف على الموضع؛ وذلك بعد أن ساق عبارات تدل على اختلاف النحاة في ذلك؛ قال: ” واختلفت عبارات الناس في ذلك؛ فقال الزمخشري: “عطفًا على محلِّ (فأصَّدَّقَ) كأنه قيل: إنْ أخَّرْتَني أصَّدَّقْ وأكنْ”[1]، وقال ابن عطية عطفًا على الموضع؛ لأنَّ التقديرَ: إنْ أخَّرتني أصَّدَّقْ وأكن[2]، وهذا مذهب أبي علي الفارسي[3]، فأمَّا ما حكاه سيبويه[4] عن الخليلِ[5] فهو غيرُ هذا؛ وهو أنه جزمٌ على توهُّمِ الشرطِ، الذي يَدُلُّ عليه التمني، ولا موضعَ هنا لأن الشرطَ ليسَ بظاهرٍ، وإنما يُعْطَفُ على الموضع حيث يَظْهَرُ الشرطُ”[6].

قال سيبويه: ” سألت الخليل عن قوله عز وجل: ﴿ فأصدَّقَ وأكنْ منَ الصالحين فقال: هذا كقول زهير:

بدا لي أني لستُ مدركَ ما مضى
ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا[7]

فإنما جرُّوا هذا؛ لأن الأول قد يدخله الباء، فجاءوا بالثاني، وكأنهم قد أثبتوا في الأول الباء، فكذلك هذا، لمَّا كان الفعل الذي قبله قد يكون جزمًا ولا فاء فيه، تكلموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهموا هذا “[8].

ويمكن القول بأن مصطلح ” العطف على التوهم” لم يَرُقْ للشيخ السمين، لذا نراه يقبح القول به؛ قال: ” ولكني لا أُحِبُّ هذا اللفظَ مستعملًا في القرآن، فلا يُقال: جُزم على التوهُّم، لقُبْحه لفظًا”[9]، لكن أقول: إن الشيخ السمين لم يكن دقيقا فيما ذهب إليه من القول بأن الإعراب على التوهم لا يجوز في القرآن لقُبحه لفظًا”؛ ذلك لأنه لم يفطن إلى مراد النحاة الذين يرون أنَّ ” العطف على التوهم؛ إنما يجري على سنن العربية وفطرتها، ولا صلة له بالخطأ أو الوهم أو الغفلة”[10].

وقد كثر ما ورد منه “لكن لا يسوغ القياس عليه”[11]، يقول أبو حيان: “والعطف على التوهم كثير، وإن كان لا ينقاس، لكن إن وقع شيءٌ وأمكن تخريجه عليه خُرِّج “[12]، ويقول الأستاذ عباس حسن: “يتردد في مواطن مختلفة من كتب النحو ما يسمى: العطف على التوهم، وهو نوع يجب الفرار من محاكاته – قدر الاستطاعة”[13].


[1] الكشاف 4/112
[2] المحرر الوجيز 16/23
[3] الحجة 4/386
[4] الكتاب 1/452
[5] الجمل في النحو 1 / 151
[6] الدر المصون 10 / 344ـ 345
[7] ديوان زهير بن أبي سلمي 287
[8] كتاب سيبويه 3/100-101
[9] الدر المصون 10 / 345
[10] مجموعة القرارات العلمية 26-27
[11] مجموعة القرارات العلمية 27
[12] البحر المحيط 9/259
[13] النحو الوافي 1 / 388

 

موضوعات ذات صلة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترك تعليق