دحان القباتلي

أسباب ظاهرة الاختصار في اللغة العربية

لكُلِّ ظَاهِرَةٍ أسبابٌ تُؤدِّي إلى حدوثها، وظاهرةُ الاختصار كغيرها من الظواهر اللغوية، وهي كانت بلا شكٍّ نِتَاجَ أسبابٍ أَدَّتْ إلى حدوثها وظهورها على ثوب اللغة العربية. وهذه الأسبابُ كثيرةٌ؛ منها ما يتعلَّقُ بطبيعة اللغة العربية وجمعها على يد اللغويين، ومنها ما يتعلق بالعرب أنفسهم ومقصودهم كما يقول السيوطي “الاخْتِصَارُ هُوَ جُلُّ مَقْصُوْدِ العَرَبِ”[1]، ومن هذه الأسباب ما يتعلق بالنُّحَاةِ ومنهجهم في التعامل مع الموروثِ اللُّغَوِيِّ وقواعدهم النحوية،…الخ. ويمكننا أن نتذكر معًا أهم هذه الأسباب في الآتي:

السَّبَبُ الأَوَّلُ: طَبِيْعَةُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ:

مِمَّا لا شكَّ فيه أيضًا أنَّ اللغةَ قد مرَّت بمراحِلَ تَطَوُّرِيَّةٍ كثيرةٍ مما نجده في بطونِ الكُتُبِ القديمة وفي ثنايا النصوص من أمثلة نحوية وشواهد أدبية خارجة عن تلك القواعد التي وضعها النحاة ثم التمسوا لها تخريجًا ما هو إلا بقايا من اللغة العربية في مراحلها الأولي قبل أن تَتَّضِحَ [2]، وخلال هذا التاريخ اللُّغَوِيِّ للغة العربية تعرضت لظواهر لغوية شتى، كالاستغناء والحذف والحمل على المعنى والتضمين والاختصار،… وغير ذلك، وفي هذا الشأن يقول ابن جني:” سَبَبُ هذه الحمولِ والإضافاتِ والإلحاقاتِ كثيرةٌ، فهذه اللغة وسعتها، وغلبة حاجة أهلها إلي التَّصَرُّفِ فيها والتَّرَكُحِ في أثنائها؛ والتَّصَرُّفِ في نواحيها ووجوها لِمَا يلابسونه ويكثرون استعمالها من الكلامِ المَنْثُوْرِ والشِّعْرِ المُوْزُوْنِ والخُطَبِ والسُّجُوْعِ، ولقوة إحساسهم في كل شيء شيئًا وتخيلهم ما لا يكاد يشعر به مَنْ لم يخالف مذاهبهم”[3]. وأَكَّدَ ابنُ الأثير على ذلك بقوله:” اللُّغَةُ العَرَبِيَّةِ سَيِّدَةُ اللُّغَاتِ؛ فهي أشرفَهُنَّ مَكَانًا، وأَحَسْنَهُنَّ وَضْعًا؛ وذلك لأنَّهَا جَاءَتْ آخرًا فَنَفَتْ القَبِيْحَ مِنْ اللُّغَاتِ مِنْ قَبْلِهَا، وأخذتْ الحَسَنَ، ثُمَّ إِنَّ وَاضِعَهَا تَصرَّف في جميع اللغات السالفة، فاختصر ما اختصر وَخَفَّفَ مَا خَفَّفَ ” [4].

كما لا يفوتنا أنْ نَعْرِفَ أنَّ القسم – المستوي – الأهم في لغة العرب بخاصة قبل الإسلام هو الشعر العربي الذي يتَّصِفُ بنظامٍ لغويٍّ خَاصٍّ به دون غيره من مستويات الكلام العربي؛ حيثُ أنَّ الشَّاعِرَ مَحْكُوْمٌ بالنَّظْمِ والوزنِ والقافيةِ، وفي سبيل ذلك المحافظة عليه قد يرتكب الشاعر خطأ نحويًا أو صرفيًا؛ وعن ذلك يقول سيبويه: “اعلم أنَّه يجوز في الشِّعْرِ ما لا يجوز في الكلام”[5]. وهو ما يُسميه النُّحَاةُ والعلماءُ (الضرورة الشعرية)، وذلك لأنَّ “الشِّعْرَ مَوْضِعُ اضطرارٍ وموقفَ اعْتِذَارٍ، وكثيرًا ما تُحَرَّفُ فيه الكلمُ عن أبنيته، وتُحَال فيه المثلُ عن أوضاعِ صِيَغِهَا لأَجْلِهِ “[6]، فالشاعرُ إذا اضطر “جاز له أن ينطق بما يبيحُهُ له القياسُ وإن لم يَرِدْ به سماعٌ”[7]. ويُضاف أيضًا إلى طبيعة اللغة العربية التي أدت إلى اللجوء إلى الاختصار رغبةً القبائل العربية في إحداثِ التَّواصلِ والتَّفَاهُمِ اللغوي، فنجد اللغات أو اللهجات العربية التي تتنافس على الاختصار من أجل تجويد المعنى وتحسينِهِ، فمنهم مَنْ يُدْغِمُ ومنهم مَنْ يفكُّ، ومنهم مَنْ يُثْبِتُ ومنهم مَنْ يحذفُ، ومنهم مَنْ يعمل ومنهم من يُهْمِلُ، ومنهم مَنْ يحمل، ومنهم مَنْ يُضَمِّنُ، ومنهم من يستغني. والمُدقق في اللغة العربية يَجِدُ أهلها يجنحون إلى الاهتمام باختصار ألفاظها والقصد في تراكيبها، ومنه ما يلي:

حروف المعاني كثيرة ولها دور مهم في كيان اللغة على الرغم من أنها لا تدل على معنى في ذاتها، وإنما تستمد معناها عند إضافتها إلى غيرها.

الأفعال تميل إلى الاختصار فهي بين الثلاثية والسداسية، وعندما تضاف مثلا أداة جزم للفعل المضارع يحذف حرف العلة؛ نحو (لم يقل، لم يدعُ،..الخ)، وقد يأتي الفعل في صورة الأمر على حرفٍ واحدٍ؛ نحو: (عِ، فِ، قِ،…الخ)، وللفعل الماضي في اللغة العربية صورة واحدة أما في الفارسية فله خمس صور (ماضي قريب، وماضي بعيد، وماضي بسيط، وماضي مركب، وماضي مطلق) وفي الإنجليزية (ماضي بسيط، ماضي تام)، والمضارع في العربية يدل على الحال والمستقبل، ولكننا نجد اللغة الإنجليزية لتدل على الحال تستعمل (مضارع بسيط، مض-ارع تام، مضارع مستمر) وللمستقبل تستعمل (المستقبل البسيط، المستقبل التام).

وكذلك نجد الأسماء في اللغة العربية تميل إلى الاختصار فهي بين الثلاثية والسداسية، وتأتي في بعض الكلمات ثنائية وهي في الأصل ثلاثية نحو: (أب، أم، يد، دم،..الخ).

والراجح في الجملة العربية أنها نوعان: اسمية وفعلية، وتتكون كل واحدة من ركنين أساسيين فقط، وما يرد بعد هذين الركنين يسمى مكملات الجملة. والأمثلة والشواهد الكثيرة التي يشتمل عليها بنيان اللغة العربية وطبيعتها تؤكد بما لا يدعُ مجالاً للشَّكِّ في أن اللغة العربية لغة إيجاز واختصار، وهي قادرة على حمل أسمى المعاني بأقلِّ المباني ولذلك كرَّمها الله عز وجل بنزول القرآن الكريم آخر كتبه على لسانها.

السبب الثاني: الرَّغْبَةُ فِي الاخْتِصَارِ وَتَجْوِيْدِ الكَلامِ:

لقد تحدثنا عن طبيعة اللغة العربية وعرفنا أن هذه الطبيعة كانت سببًا مُباشرًا في حدوثِ ظاهرةِ الاختصارِ وغيرها من الظواهر اللغوية، ونظرًا لتعدُّد مُفردات اللغة وتعدد لهجاتها وأنَّ اللغويين عندما جمعوها خلطوا كلَّ مستويات اللغة شعرًا ونثرًا ولهجات، وغير ذلك، ثم أرادوا أنْ يضعوا قواعدَ واحدةً ومُطَّرِدَةً تطَّرد علي كل هذه المستويات؛ وذلك رغبةً منهم في الوصول إلي لغةٍ مُطَّرِدَةٍ قويَّةٍ مُتماسكةِ البُنْيَانِ، لا يعتريها زيادةٌ أو فضولُ كلام، ولا يشوبها عجزٌ أو قصورٌ؛ وفي سبيل ذلك أعمل النحاة واللغويون فكرهم فوجدوا أنَّ العرب قد استغنوا ببعض الألفاظ عن بعض رغبةً في الاختصار والإيجاز؛ لأن “اللغة هي التعامل بالكلمات ومهمتها حدوث التفاهم بين الجماعة اللغوية؛ لهذا فإنَّ الموقف اللغوي إذا فهم بمجرد ذكر بعض عناصره اللغوية دون البعض الآخر، جاز الاستغناء عن بعض هذه العناصر من هذا المنطلق”[8]؛ لأنَّ هذه الأمور تُطلعنا “علي حقيقة العربية، وميلها إلي الإيجاز الشديد، وأن المحذوفات في كتاب الله تعالي – لعلم المخاطبين بها – كثيرةٌ جدًا، وهي إذا أُظْهرت تمَّ بها الكلامُ، وحذفُها أَوْجَزُ وأَبْلَغُ”.[9] وقد امتدح النحاة والعلماء الحذف – وهو من مظانِّ الاختصار – في اللغة؛ فهو عندهم “بابٌ دقيقُ المَسْلَك لطيفُ المأخذ، عجيبُ الأمرِ، شبيهٌ بالسِّحْرِ؛ فإنَّك ترى أنَّ ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمتَ عند الإفادة أزيدُ للإفادة، وتجد أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ”[10].

فالمعنى الجيد هو هدف الاختصار والاستغناء والحمل والحذف، وغير ذلك من الوسائل اللغوية؛ لذلك يقول ابن جني:”رأيتُ غَلَبَةَ المعنى لِلَّفْظِ وكون اللفظ خادمًا للمعنى مشيدًا به، وأنه إنما جيء به له ومن أجله، وأمَّا غير هذه الطريقة من الحمل على المعنى وترك اللفظ، وتذكير المؤنث وتأنيث المذكر، وإضمار الفاعل لدلالة المعنى عليه، وإضمار المصدر لدلالة الفعل عليه، وحذف الحروف والأجزاء التوأم والحمل وغير ذلك حملا عليه وتصورًا له، وغير ذلك مما يطول ذكره ويُملُّ أيسَرُهُ فأمرٌ مستقرٌّ ومذهبٌ غير مُسْتَنْكَرٍ”[11].

لأن ” اللغة هي التعامل بالكلمات ومهمتها حدوث التفاهم بين الجماعة اللغوية لهذا فإن الموقف اللغوي إذا فهم بمجرد ذكر بعض عناصره اللغوية دون البعض الآخر، جاز الاستغناء عن بعض هذه العناصر من هذا المنطلق “[12].

وذلك لأنَّ ” الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في مُلائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلّق له بصريح اللفظ..[13] “. وعندما تقوم العرب بالحذف أو الاستغناء أو التضمين أو غير ذلك من وسائل الاختصار التي ذكرنا بعضها، “إنما فعلت العرب ذلك اختصارًا للكلام واستغناءً بقليلِ الكلام عن كثيرِهِ”.[14] ويقول ابن السراج:”يُوضع الكلام للفائدة، فإذا لم تتحقق الفائدة والمعنى فلا جملة”[15]، ويقول تمام حسان: “إنَّ الفائدة والصواب وأمن اللبس حيث توضع ثلاثتها في صورة مبدأ عام يحكم كل نشاط قام به النحاة”.[16]

إذن يهدف الاختصار إلى تحسين المعني وتجويد الكلام في اللغة العربية؛ لذلك فما سبق يُعدُّ من أهم أسباب ظاهرة الاختصار.

السَّبَبُ الثَّالِثُ: الرَّغْبَةُ فِي تَحْقِيْقِ الرَّاحَةِ لِلْمُتَكَلِّمِ والسَّامِعِ:

من الأسباب المنطقية التي تدفع في اتجاه اختصار الكلام والتَّخَلِّيِ عمَّا لا طائل منه الرَّغبة في تحقيق الراحة البدنية والنفسية للمتكلم والسامع، وذلك عن طريق توفير الجهد والوقت في توصيل المعاني المنشودة بألفاظٍ محدودة.

وفي ذلك يقول ابن جني: “لأنهم قد يستعملون من الكلام ما غيره أثبت في نفوسهم منه؛ سعةً في التفسح وإرخاءً للتنفس وشحًا على ما جشموه فتواضعوه، أن يتكارهوه، فبلغوه، ويطرحوه، فاعرف ذلك مذهبًا لهم، ولا تطعن عليهم

متى ورد شيء منه”.[17] ويقول أيضًا:” لا يُنكر أن يكون في كلامهم – العرب – أصولٌ غيرُ ملفوظٍ بها؛ إلا أنها مع ذلك مُقَدَّرَةٌ، وهذا واسعٌ في كلامهم كثيرٌ، ألا ترى أنهم قد أجمعوا على أصل (قام) (قوم)، وهم مع ذلك لم يقولوا قط (قوم)، فلا يُنكر أن يكون هنا أصول مقررة غير ملفوظ بها”.[18] ويقول ابن جني أيضًا:” لأنه لا يُستنكر الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ؛ لأنَّ الدليل إذا قام على شيء في حكم الملفوظ به وإن لم يجرِ على ألسنتهم استعماله”.[19] فللإدغام – مثلاً- في اللغة فائدةٌ كبيرةٌ واضحةٌ وهي التخفيفُ والاختصارُ؛ وذلك لأنَّ النُّطْقَ بالحرفين المثلين (المتشابهين) ثقيلٌ، ولأنَّ المُتَكَلِّمَ يحتاج إلى استخدام العضو الذي يخرج منه الحرف المضاعف مرتين فيكثر العمل على العضو الواحد، ولذلك حاولوا تخفيفه بأن يضعوا ألسنتهم على مخرج الحرف المكرر وَضْعَةً واحدةً ويرفعونها بالحرفين المثلين رفعة واحدة لئلا ينطقوا الحرف ثم يعودوا إليه. وإذا جاء الكلام مُختصرًا فمما لاشكَّ فيه أنَّ في ذلك توفيٌر في وقت المتكلم ومجهوده العضلي المعتمد على الجهاز النُّطقى والعصبي، وفي المقابل يفهم السامع ما يريده المُتكلِّمُ في أقلِّ وقتٍ وجهدٍ دون إرهاق سمعه وأعصابه وحواسه بما لا يفيد،..الخ. ولقد أشار إلى ذلك الدكتور ياسر رجب حيث يقول:”ومن القيم المتوخاة أيضًا من وراء الاختصار في اللسان العربي الرغبة في رفع السأم والملل عن النفس باختصار ما هو مفهوم من الكلام”[20]. ويقول ابن يعيش:”الألفاظ إنما جيء بها للدلالة على المعنى، فإذا فُهِمَ المعني بدون اللفظ جاز ألا تأتي به، ويكون مرادًا حكمًا وتقديرًا “[21]، ويقول عبد القاهر الجرجاني عن ترك الذكر الذي ليس له داعٍ مُلحٍ: “هو بابٌ دقيقُ المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأثر، شبيهٌ بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تُبِن”[22].

السَّبَبُ الرَّابِعُ: إِرَادَةُ التَّخْفِيْفِ:

وهذا السبب وثيق الصِّلة بالسبب السابق، فإنَّما يهدف الاختصار إلى تحقيق التخفيف على المتكلم والسامع، ولذلك فالنحاة يؤكدون على:”أنه ليس في الكلام حرفان لمعنى واحد مجتمعان؛ والعلة في ذلك أنَّ الغرض في هذه الحروف الدوال على المعاني إنما هو التخفيف والاختصار ألا ترى أن (هل) تنوب عن (أستفهم) و(ما) تنوب عن (أنفي)”[23]. ويؤكد الدكتور ياسر رجب على أَنَّ “أهم القيم التي توخاها العرب من وراء الاختصار قيمة التخفيف، فقد دَرَجَ العرَبُ عَلى كُرْهِ ما هو ثقيل في الكلام والنفرة منه، والميل إلى ما هو خفيف والسعي إليه”[24]؛ ولذلك يبرر ابن جني ميل العرب إلى رفع الفاعل ونصب المفعول فيقول:”فرفع الفاعل لقلته، ونصب المفعول لكثرته؛ وذلك ليقلَّ في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفُّون”[25]. ولقد سبق سيبويه إلى تقرير هذا الأمر عند حديثه عن الضمائر حيث يقول:”إنَّما أضمروا ما كان يقع مظهرًا استخفافًا”[26]، ويؤكد ابن الأنباري ذلك حيث يقول:”والحذف تخفيفٌ، ومع طول الكلام يناسب الحذف والتخفيف”[27]. ولقد تأكَّدَ لدينا عند الحديث عن مظاهر الاختصار ووسائله مدى حرص العرب على تحقيق التخفيف في كلامهم، وكما سنرى في شواهد الاختصار تؤكد على إرادة التخفيف لدى العرب.

السَّبَبُ الخَامِسُ: الاعْتِمِادُ عَلَى ذَكَاءِ العَرَبِيِّ:

لم يكن الاختصار ليتم من دون الاعتماد على الذَّكَاءِ العقليِّ لَدَى العربيِّ مُتكلِّمًا وسامعًا معًا، فتخلف الذكاء لدى أحدهما يُعيق الاختصار، والمتُصَفَحِّ ُللتُّرَاثِ اللغويِّ والنحويِّ يجد تأكيدات من علماء كثيرين تؤكد على أنَّه لا يجوز الحذف أو الاستغناء أو الحمل أو الاختصار دون علم المخاطب بما حدث في الكلام، وكذلك إدراك المتكلم بما يفعل، وإلا سيكون مثل هذا الأمر أمرًا اعتباطيًّا عبثيًّا لا طائل من ورائه ولا فائدة منه، فمثلاً يُشْتَرَطُ أن “يأتي الاتِّسَاعُ – أو الاختصار – علي سعة الكلام والإيجاز لعلم المُخاطب بالمعنى[28]” أي: ” يُشترط أن يكون المخاطب فاهمًا للمعنى، ولا يفهم المخاطب ذلك إلا إذا كان هذا التَّجَوُّزُ أو كثر الاختيار من العُرْفِ اللغويِّ؛ أي: من سليقة المتكلم والمستمع معًا وكفاية كل منهما اللغوية، وهذا هو الجانب الإبداعي في اللغة[29]“، ويؤكد العلماء على أن هذه الأمور تُطْلِعُنَا “علي حقيقة العربية، وميلها إلي الإيجاز الشديد، وأن المحذوفات في كتاب الله تعالي – لعلم المخاطبين بها – كثيرة جدًا، وهي إذا أُظْهرت تمَّ بها الكلام، وحذفُها أوجز وأبلغ “.[30]

…. وبعد فما سبق أهم الأسباب التي أرى أنها تسببت في وجود الاختصار في اللغة العربية، وذلك لا يمنع وجود أسباب أخرى قد تتأكد لدى الآخرين.


[1] الأشباه والنظائر (1/ 66).

[2] البحث اللغوي عند العرب، (ص64).

[3] الخصائص (1/ 215).

[4] المثل السائر لابن الأثير (1/ 206).

[5] الكتاب (1/ 8).

[6] الخصائص (3/ 188).

[7] الخصائص (1/ 397).

[8] الأصول لابن السراج (1/ 74).

[9] الرد علي النحاة ، (ص69).

[10] دلائل الإعجاز، (ص146) , ينظر: الخصائص (2/ 432).

[11] الخصائص (1/ 237).

[12] الأصول لابن السراج (1/ 74).

[13] دلائل الإعجاز، (ص38).

[14] الإنصاف (2/ 492).

[15] الأصول (1/ 73).

[16] الأصول لتمام حسان، (ص208).

[17] الخصائص (3/ 319).

[18] المنصف (1/ 348).

[19] الخصائص (2/ 343).

[20] ينظر: الاختصار في الدراسات النحوية، (ص35).

[21] شرح المفصل (1/ 64).

[22] دلائل الإعجاز، (ص178).

[23] ينظر: سر صناعة الإعراب (1/ 373).

[24] ينظر: الاختصار في الدراسات النحوية، (ص34).

[25] ينظر: الخصائص (1/ 49).

[26] ينظر: الكتاب (1/ 224).

[27] ينظر: الإنصاف (2/ 575).

[28] الكتاب لسيبويه (1/ 109).

[29] النحو والدلالة لحماسة عبد اللطيف، (ص 86).

[30] الرد علي النحاة، (ص69) .

ترك تعليق