المؤلف: محمد عيد

البناء

تمهيد:
يحدد معنى البناء عبارة واحدة هي: “لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لا تتغير بتغير العوامل الداخلة عليها” ا. هـ.
– يقول أحد الشعراء معاتبًا:

وأنتَ الذي أخلَفْتَنِي ما وعدْتني … وأشْمَتَّ بي من كانَ فيكَ يلومُ

فكلمات هذا البيت جميعًا -ماعدا الكلمة الأخيرة- كلها مبنية والبناء في آخر الكلمات “أنت، الذي، أخلف، التاء، نون الوقاية، ياء المتكلم، ما، وعد، أشمت، الباء، ياء المتكلم، مَنْ، كان، في، الكاف”.
وقد اختلف شكل آخر كل واحدة منها عن الأخرى، فبعضها شكل بالفتحة مثل: “أنتَ، التاء، كانَ، الكاف” وبعضها شكل بالكسرة مثل: “نون الوقاية، باء الجر” وبعضها شكل بالسكون مثل: “الذي، أخلفْت، ياء المتكلم، ما، وعدْت، أشمتّ، منْ، في” ومع ذلك فإنها جميعا مبنية، إذ يلزم آخرها صورة واحدة لا يتحول عنها من جملة إلى أخرى، فمثلا الكلمات: “أنت، الذي، كان” لا يتغير آخرها أبدًا في أي جملة صادفتها في اللغة العربية بل تبقى الأولى دائما مفتوحة الآخر، والثانية ساكنة، والثالثة مفتوحة، وهذا هو المقصود بالبناء.

لكن ينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب معرفة الملاحظات الآتية حول التعريف السابق:

أولا: أن البناء يقصد به شكل آخر الكلمة فقط، فهو في كلمة “أنتَ” الفتحة، وفي كلمة “الذي” السكون، وفي كلمة “كانَ” الفتحة، ولا شأن للبناء ببقية حروف الكلمة أو شكلها، فهو خاصية تتجه إلى آخر الكلمة فقط.

ثانيا: أن البناء لا يتحقق إلا في جملة واحدة -تماما كالإعراب- فالكلمة المفردة لا يمكن الحكم عليها إن كانت متغيرة معربة أو لازمة الشكل مبنية إلا بتصور دخولها في “كلام” -كما سبق تحديده- فإذا دخلت جملة مفيدة ولم يتغير آخرها من كلام لآخر، فهي مبنية، وإلا فهي معربة.

ثالثا: يفهم من ذلك بداهة أن الكلمة المبنية هي التي لا يتغير آخرها من جملة لأخرى مهما كانت الوظائف النحوية التي تجيء لها، ولنأخذ نموذجا لذلك كلمة “هؤلاء” اسم الإشارة لجماعة الذكور والإناث، فهي كلمة مبنية، يدل على ذلك وضعها في الجمل الآتية:
– قول القرآن: ﴿ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾.
– قول القرآن: ﴿ إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ
– قول القرآن عن المنافقين: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ﴾.

فالكلمة في الآية الأولى مبتدأ ولزمت الكسر، وفي الآية الثانية اسم “إن” ولزمت أيضا الكسر، وفي الآية الثالثة مجرورة بالحرف “إلى” ولزمت الكسر أيضًا، فهذه كلمة مبنية لا يتغير شكلها في الجمل المختلفة.

رابعا: يترتب على ذلك بداهة أيضا أن علامات البناء هي الشكل الذي يلازم آخر الكلمة المبنية، سواء أكان هذا الشكل الملازم ضمة أم فتحة أم كسرة أم سكونًا، كما تنطق بذلك النماذج الآتية:
– منذُ، حيثُ، قبلُ، بعدُ، أولُ، علُ. “مبني على الضم”.
– إنَّ، لعلَّ، ربَّ، كيفَ، أينَ، الآنَ، فهمَ. “مبني على الفتح”.
– هؤلاءِ، شرابِ، حذامِ، جيرِ، أمسِ. “مبني على الكسر”.
– مَنْ، مِنْ، ما، الذي، هلْ، بلْ، قدْ، افْهَمْ. “مبني على السكون”.
خامسا: الجوانب المهمة للدراسة في باب البناء تأتي في أمور أربعة هى:
1- البناء في الأسماء
2- البناء في الأفعال
3- البناء في الحروف
4- المحل الإعرابي للكلمات المبنية مع الوظائف النحوية المختلفة

المصدر: النحو المصفى