البدل في النحو[1]

تعريف البدل:

عرف النحاة البدلَ بأنه تابع[2]، يذكر بعد اسم قبله يسمى المبدل منه[3]، بلا واسطة حرف عطف يذكر بينهما[4]، ويصح أن يحل هذا البدل محل المبدل منه[5].

وزاد بعض النحاة في تعريف البدل: المقصود بالحكم[6]. ومعنى كون البدل مقصودًا بالحكم؛ أن المعنى الذي دخل على المبدل منه يدخل على البدل، فالبدل مقصود بذلك المعنى؛ كقصد الأصل، الذي هو المبدل منه[7].

وهذا مثال يوضح ما ذكرناه في تعريف البدل:

تقول على سبيل المثال: أرسى الخليفة عمر دعائم الدولة الإسلامية.

فكلمة «الخليفة» هي المبدل منه «المتبوع»، وكلمة «عمر» هي البدل «التابع»، وكانت كلمة «عمر» بدلًا من كلمة «الخليفة»؛ لأنه يصح أن تلغي كلمة «الخليفة»، وتقوم كلمة «عمر» مقامها، فتقول: أرسى عمر دعائم الدولة الإسلامية، وكلمة «عمر» مقصودة بما قصدت به كلمة «الخليفة»، وهو معنى الإرساء لدعائم الدولة الإسلامية، وكان ذلك بلا واسطة حرف عطف بين التابع «عمر»، والمتبوع «الخليفة»: كالواو أو الفاء أو غيرهما[8].

بيان تبعية البدل للمبدل منه في الإعراب رفعًا ونصبا ًوجرًا إذا كانا[9] اسمين، ورفعًا ونصبًا وجزمًا إذا كانا فعلين مضارعين، مع التمثيل على ذلك:

في هذا المبحث تتحدث عن:

1- أن البدل يكون في الأسماء والأفعال المضارعة كذلك[10]، ولا يقتصر على الأسماء فقط، كما في النعت من التوابع.

2- أن البدل يتبع المبدل منه في الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًا وجزمًا، ولا يتبعه في التعريف والتنكير، فقد يتفقان[11] في التعريف والتنكير، وقد يختلفان[12].

أولًا: اعلم – رحمك الله – أن البدل يكون في:

1- الأسماء، فيبدل اسم من اسم؛ نحو: أمر الخليفة عمر بفتح مصر[13].

فكل من البدل «عمر» والمبدل منه «الخليفة» من الأسماء.

2- وفي الأفعال المضارعة: فيبدل فعل مضارع من فعل مضارع[14] إذا كان بمعناه؛ نحو قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}. ففي هذه الآية قد أبدل الفعل المضارع «يضاعف» من الفعل المضارع قبله «يلق»؛ لتناسب معناهما، فكان كل من البدل «يضاعف»، والمبدل منه «يلق» فعلًا مضارعًا[15].

ثانيًا: اعلم – رحمك الله – أن المبدل يتبع المبدل منه في الإعراب:

فإن كان المبدل منه مرفوعًا كان البدل كذلك مرفوعًا؛ نحو قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. فقد اتبع البدل «أحسن» المبدل منه «الله» في الرفع.

وإن كان المبد لمنه منصوبًا كان البدل كذلك منصوبًا؛ نحو قوله تعالى: {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا}. فقد اتبع البدل «جهنم» المبدل منه «شر» في النصب.

وإن كان المبدل منه مجرورًا كان البدل كذلك مجرورًا، ومن ذلك: قول الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. فقد اتبع البدل «قتال» المبدل منه «الشهر» في الجر[16].

وإن كان المبدل منه مجزومًا كان البدل كذلك مجزومًا: نحو قولك: من يشكر ربه يسجد له يفز. فقد أبدل الفعل المضارع «يسجد» من الفعل المضارع «يشكر»، فتبعه في الجزم[17].

وهذا الذي ذكرناه لك الآن إنما هو بالنسبة لتبعية البدل للمبدل منه في الإعراب، وأما بالنسبة لتبعيته له في التعريف والتنكير، والإفراد والتثنية والجمع، فقد نص النحاة على أنه لا يلزم في البدل موافقة المبدل منه في التعريف والتنكير[18]، والإفراد والتثنية والجمع[19]، فيجوز أن:

تبدل المعرفة من المعرفة؛ كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.

وقوله عز وجل: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ}.

وأن تبدل النكرة من النكرة: كقوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا}. وقوله سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا}.

وأن تبدل النكرة من المعرفة؛ كقوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}[20].

وأن تبدل المعرفة من النكرة، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ}[21].

 


[1] التعبير باسم البدل هو اصطلاح البصريين. والكوفيون يسمونه: «الترجمة، أو التبيين، أو التكرير».

وكل هذه الأسماء الأربعة مناسب لمعنى البدل، كما سيتضح لك في المبحث الأول: مبحث تعريف البدل، إن شاء الله تعالى.

[2] فالبدل من التوابع، ولذلك ذكره ابن آجروم ضمن التوابع، وهو آخرها ذكرًا في متن الآجرومية، كما بينا.

وقوله: تابع. هذا جنس يشمل جميع التوابع الخمسة التي ذكرها ابن آجروم.

[3] وقد سُمي البدل تابعًا؛ لأنه يتبع هذه الكلمة المتقدمة عليه، المسماة المبدل منه في إعرابها رفعًا ونصبًا وجرًا وجزمًا، كما سنبين إن شاء الله تعالى، فالبدل هو التابع، والمبدل منه هو المتبوع.

[4] فلا يذكر بين البدل «التابع» والمبدل منه «المتبوع» حرف من أحرف العطف العشرة التي ذكرناها عند الحديث على عطف النسق صـ 570، 571.

وقوله: بلا واسطة، مخرج لعطف النسق؛ كـ: جاء زيد بل عمرو. فإنه وإن كان تابعًا مقصودًا بالحكم، لكنه بواسطة حرف العطف[*].

[*] فـ«عمرو» التابع مقصود بالحكم- وهو المجيء – لكن بواسطة، وهي حرف العطف «بل».

[5] ولذلك لو حذفت المبدل منه، ووضعت البدل مكانه لاستقل البدل بالذكر منفردًا، ولأغنى ذكره عن ذكر المبدل منه، من غير حصول اختلال في معنى الجملة، ولكن الكلام تام الفائدة.

ومن هنا تعلم لماذا قال ابن يعيش رحمه الله في «شرح المفصل» في تعريف البدل: البدل ثان يقدر في موضع الأول.

ثم مثّل رحمه الله على ذلك بقوله: مررت بأخيك زيد. فـ«زيد» ثان من حيث كان تابعًا للأول في إعرابه، واعتباره بأن يقدر في موضع الأول حتى كأنك قلت: مررت بزيد، فيعمل فيه العامل، كأنه خال من الأول.

فإن قال قائل: إذا كان الأمر كذلك – يعني، إذا كان يجوز حذف المبدل منه، وإحلال البدل محله – فلماذا نذكر المبدل منه ابتداء؟.

فالجواب: أننا إنما نذكره للتمهيد والتهيئة لذكر البدل، فنكون كأننا ذكرنا الجملة مرتين: مرة مجملة، ومرة محددة، وبذلك يقوى معناها، ويزداد رسوخًا في الذهن.

[6] قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته في تعريف البدل:

التابع المقصود بالحكم بلا *** واسطة هو المسمى بدلا

[7] تقول على سبيل المثال: قام زيد أخوك. فكلمة «أخوك» هي البدل، وكلمة «زيد» هي المبدل منه، وهذا البدل «أخوك» مقصود بما قصد به المبدل منه «زيد» من معنى القيام.

وقوله في التعريف: المقصود بالحكم. مخرج للنعت والتوكيد وعطف البيان: فإن هذه الثلاثة ليست مقصودة بالحكم – بمعنى: أن الكلام لم يسق من أجلها – بل المقصود به متبوعها (المنعوت، والمؤكد، والمعطوف عليه)، وهي متممة ومكملة للمتبوع المقصود بالحكم؛ إما بتخصيصه، أو بإيضاحه، كما في النعت وعطف البيان، وإما برفع الاحتمال عنه. كما في التوكيد.

[8] فواضح من هذا المثال المذكور أن البدل يأتي بعد المبدل منه مباشرة؛ أي: دون أي فاصل يفصل بينهما، عكس العطف الذي يفصل فيه أحد حروف العطف بين المعطوف والمعطوف عليه. وهذا هو معنى قول النحاة في تعريف البدل: بلا واسطة.

[9] أي: كل من البدل والمبدل منه.

[10] والمراد بلا شك الأسماء المعربة، لا المبنية، والأفعال المضارعة المعربة، لا المبنية.

والمهم، أن البدل كما يكون اسمًا، يكون كذلك فعلًا مضارعًا فإنه يتبع المبدل منه في جميع أنواع إعرابه رفعًا ونصبًا وجرًا وجزمًا، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في «ثانيًا».

[11] يعني: البدل والمبدل منه.

[12] يعني: أنه يجوز بدل المعرفة من المعرفة، وبدل النكرة من النكرة، كما يجوز كذلك بدل المعرفة من النكرة، وبدل النكرة من المعرفة، وسيأتينا التفصيل في ذلك، مع التمثيل عليه في «ثانيًا»، من هذا المبحث، إن شاء الله تعالى.

[13] فجزاه الله خيرًا أن كان السبب في انتشال أهل مصر من شرك النصارى وزورهم وجهلهم إلى توحيد الإسلام وعدله ورحمته.

[14] فيكون كل من البدل والمبدل منه فعلًا مضارعًا.

[15] ومن إبدال الفعل المضارع من الفعل المضارع كذلك: قول عبيد الله بن الحر:

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *** تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا

ومنه قولك: إن تأتني تمش أكرمك. فتجزم الفعل المضارع «تمش» على البدلية من الفعل المضارع «تأتنا»؛ لمطابقة المشي للإتيان. وفي إبدال الفعل من الفعل يقول ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته:

ويبدل الفعل من الفعل كمن *** يصل إلينا يستعن بنا يعن

[16] وذاكم مثال على اتباع البدل للمبدل منه رفعًا ونصًبا وجرًا.

[17] ومن ذلك من كتاب الله سبحانه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. فقد أبدل الفعل المضارع «يضاعف» من الفعل المضارع «يلق»، فكان مجزومًا مثله.

[18] فليس بمشروط أن يتطابق البدل والمبدل منه تعريفًا وتنكيرًا، بل لك أن تبدل أي النوعين شئت من الآخر، كما سيأتينا في الأمثلة، إن شاء الله تعالى.

[19] إلا أن يكون نوع البدل بدل كل من كل، فيطابق المبدل منه في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في المبحث الثالث؛ مبحث أنواع البدل.

[20] فـ«الناصية» هنا هي المبدل منه، وهي معرفة بـ«أل»، والبدل هو كلمة «ناصية» الثانية وهي نكرة.

فأبدل «ناصية» – وهي نكرة – من «الناصية»- وهي معرفة بـ«أل» – غير أنه لا يحسن إبدال النكرة من المعرفة إلا إذا كانت موصوفة، كما هو الحال في هذه الآية التي معنا.

[21] فالمبدل منه هنا في هذه الآية هو كلمة «صراط» الأولى – وهي نكرة موصوفة بكلمة «مستقيم» – والبدل هو «صراط الله» – وهو معرفة بالإضافة إلى لفظ الجلالة «الله» – فأبدل «صراط الله» – وهو معرفة – من «صراط مستقيم» وهو نكرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضوعات مشابهة