مصطلحات: الفروع (تأصيل وتحرير)

المصطلح الثالث: الفروع:

أولًا: الفروع لغةً:

الفروع: جمع فرعٍ؛ يقول ابن فارس: “الفاء والراء والعين أصلٌ صحيح يدل على عُلوٍّ وارتفاع وسُموٍّ… والفرع: أعلى الشيء”[41].

يقول زين الدين الرازي (ت 666هـ): “فرع كل شيء: أعلاه، والفرع أيضًا: الشَّعر التام، والفَرَع بفتحتين: أول ولدٍ تُنتجه الناقة… وتفرَّعت أغصان الشجرة: كَثُرَتْ”[42].

قال السمين الحلبي (ت 756هـ): “وفروع الشجرة: أغصانها، ويقال ذلك باعتبارين؛ إما باعتبار الطول والامتداد، يقال: فرع فلان كذا إذا أطاله…. وامرأة فرعاء: طويلة الشعر، ورجل أفرع… وفَرَعتُ الجبل؛ أي: توقَّلتُه[43]…. وافترعت المرأة وتفرَّعت في بني فلان: تزوَّجت في أشرافهم، وإما باعتبار الأخذ من الشيء أو ما قارَبَه، ومنه قيل للولد: فرع والده، وفرع المسألة: ما نشأ منها، ولذا قوبِل بالأصل، وفرع الشجرة يقال بالاعتبارين: الطول، وكونه من أصلٍ نشأ عنه”[44].

ويمكن تلخيص معاني كلمة (فرع) في الآتي:

فرع الشيء: أعلاه الذي نشأ منه.

فرع الشيء: ما ترتَّب عليه بالولادة والابتناء؛ كالشعر المتفرِّع من الرأس، والمسألة المترتبة على الأصول والقواعد، والولد المتفرع من أبيه أو عشيرته.

تفرعت الأغصان: إذا كَثُرت وتشعَّبت وتفرَّقت[45].

ثانيًا: الفروع اصطلاحًا:

الفروع في اصطلاح الفقهاء والأصوليين:

قال أبو يعلى الفراء (ت 458هـ): “وأما الفرع فحَدُّه ما ثبَت حكمُه بغيره”[46].

قال نجم الدين الطوفي (ت 716هـ): “وهو ما استنَد في وجوده إلى غيره استنادًا ثابتًا”[47].

قال سعد الدين التفتازاني (ت 792هـ): “وفروع الشريعة أحكامها المفصلة المبينة في علم الفقه”[48].

وقد أطلَق كثيرٌ من الفقهاء والأصوليين اسمَ الفروع على الفقه، وذلك عند حديثهم عن شروط الاجتهاد؛ يقول الشوكاني (ت1250هـ): “واختلفوا أيضًا في اشتراط علم الفروع، فذهب جماعة منهم الأستاذ أبو إسحاق، والأستاذ أبو منصور إلى اشتراطه، واختاره الغزَّالي (ت 505هـ)، وقال: إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسته – أي الفقه – فهو طريق لتحصيل الدُّربة في هذا الزمان، وذهب آخرون إلى عدم اشتراطه، قالوا: وإلا لزم الدور، وكيف يحتاج إليه وهو الذي يولِّدها بعد حيازته لمنصب الاجتهاد؟!”[49].

أمثلة من مسائل الفروع:

إذا قال: أنتِ عليَّ كالدم وكالميتة، وكالخمر، وكالخنزير، يُسأل عن نيته؛ لأنه شبَّهها بمحرَّم العَين[50].

إذا قال السيد لعبده: أنت حر بعد موتي، فإنه يَصح ويُعتَق بعد موته[51].

إذا قال: له عليَّ درهم قبله درهم أو بعده درهم، لزِمه درهمان[52].

الفروع في اصطلاح النحاة:

ذكر الدكتور حسن الملخ أن مصطلحي الأصل والفرع قد ارتَبَطا بنشأة النحو العربي، وأنهما كانا حاضرين في ذهن واضع النحو – أيًّا كان واضعه – بصورة من الصور، وقد أصَّل واضع النحو مجموعة من الأصول متمثلة في مجموعة من الثوابت والقواعد العامة، وجاء النحاة من بعده ففرَّعوا هذه الأصول والقواعد، وبسطوا القول فيها، ومِن ثَم فإن هذا هو المنهج الوحيد الذي ورَد ذكرُه في روايات نشأة النحو العربي، وهذا من شأنه أن يشير إلى أن النحو في أصله قد بُنِي على فكرة الأصل والفرع[53].

وقد ذكر الزُّبيدي (ت 379هـ) أن أبا الأسود الدؤلي (ت 69هـ)، ونصر بن عاصم (ت 89هـ)، وعبدالرحمن بن هُرْمز (ت 117هـ) – يُعَدُّون أوَّل مَن بسطوا مسائل النحو وفرَّعوها، وجعلوا للنحو أبوابًا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول، والمضاف والتعجب[54].

يقول الدكتور حسن خميس الملخ: “أما مفهوم الفروع عند ابن السرَّاج (ت 316هـ)، فيغلب على الظن أنه الحمل على الأصول بوجه ما غير الشذوذ، وتركيب المسائل على أصلين أو أكثر استنادًا إلى قوله: ونحن نُفرد كتابًا لتفريع الأصول، ومزَج بعضها ببعض، ونُسميه كتاب الفروع؛ ليكون فروع هذه الأصول”[55].

وقد تحدَّث الزجاجي (ت 337هـ) عن الفرع من خلال حديثه عن العلة؛ إذ إنه كان يأتي بالأصل وفرعه جامعًا بينهما من خلال العلة، ومن ذلك: حديثُه عن حركات الإعراب، وأنها أمارات على الإعراب، وأن هذه الحركات تُعد أصولًا في الإعراب، والحروف تُعد فروعًا لتلك الأصول، وبيَّن علل الإعراب بالحروف نيابة عن الحركات في المثنى وجمع المذكر السالم[56].

وعلى ذلك؛ فمصطلح الفروع يأتي عند النحاة بمعنى شرح الأصل وبَسْطه، والأخذ منه والبناء عليه، ويأتي أيضًا بمعنى الحمل على الأصول بعد مزجها وتركيبها مع بعضها.


[42] مختار الصحاح؛ تدقيق وإخراج دائرة المعاجم بمكتبة لبنان، الناشر: مكتبة لبنان، 1989م، ص 440.

 

[43] يقال: توقَّل الجبل؛ أي: صعِد فيه.

[44] عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ؛ تحقيق محمد باسل عيون السور، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ – 1996م، 3/ 219، 220.

[45] المعجم الوسيط؛ لمجمع اللغة العربية، بإشراف الدكتور شوقي ضيف، الإدارة العامة للمعجمات وإدارة التراث، الناشر: مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط4، 1425هـ – 2004م، ص 684.

[46] العدة في أصول الفقه؛ تحقيق د أحمد بن علي بن سير المباركي، دون ناشر، ط2، 1410 هـ – 1990م، 1/ 175.

[47] شرح مختصر الروضة؛ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الناشر: وزراة الشؤون الإسلامية والأوقاف – السعودية، ط2، 1419 هـ – 1998م، 1/ 121.

[48] شرح التلويح على التوضيح؛ ضبَطه وخرَّج آياته وأحاديثه الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، 1/11.

[49] إرشاد الفحول؛ تحقيق أبي حفص سامي بن العربي الأثري، الناشر: دار الفضيلة، القاهرة، ط1، 1421هـ – 2000، 2/ 1033.

[50] المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرخْسِي؛ تصحيح ومراجعة جماعة من العلماء، صنَّف فهارسه الشيخ خليل الميس، الناشر: دار المعرفة، بيروت، دون رقم طبعة، 1409هـ – 1989م، 6/ 72.

[51] الكافي في فقه الإمام أحمد؛ لموفق الدين عبدالله بن قدامة المقدسي الحنبلي؛ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الناشر: دار هجر، القاهرة، ط1، 1418 هـ – 1997م، 4/ 164.

[52] المغني؛ لموفق الدين عبدالله بن قدامة المقدسي الحنبلي؛ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، والدكتور عبدالفتاح محمد الحلو، الناشر: مكتبة عالم الكتب، القاهرة، ط3، 1417هـ – 1997م، 7/ 288.

[53] نظرية الأصل والفرع في النحو العربي، الناشر: دار الشروق، القاهرة، ط1، 2001م، ص 30.

[54] طبقات النحويين؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعارف، القاهرة، ط2، د. ت، ص 11، 12.

[55] نظرية الأصل والفرع في النحو العربي، ص 46، والأصول في النحو لابن السراج؛ تحقيق عبد الحسين الفتلي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، دون تاريخ، ج1، ص 328.

[56] الإيضاح في علل النحو؛ تحقيق الدكتور مازن المبارك، الناشر: دار النفائس، بيروت، ط3، 1399هـ – 1979م، ص 123، 124، ونظرية الأصل والفرع في النحو العربي، ص 46، 47.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق