المؤلف: محمد عيد

الأفعال الخمسة

1- المقصود بالأفعال الخمسة، وكيفية إعرابها
2- يتفرع على هذا الموضوع المسألتان الآتيتان:
أ- اجتماع نون الرفع مع نون الوقاية
ب- حذف نون الرفع لضرورة الشعر
الأفعال الخمسة وكيفية إعرابها:
لعلماءُ يصنعون عقلَ الأمَّة والأدباء يكوِّنون ضميرها.
والأمَّةُ الواعيةُ تهتمُّ بعلمائِها ليؤدُّوا رسالتهم لها بإخلاص.
فإنهم يشعرون بالمرارةِ واليأسِ إذا لم يجدوا الرِّعايةَ والتقدير.
الأفعال الخمسة أو “الأمثلة الخمسة” هي صور خمس من الفعل المضارع تمثل نماذج يندرج تحتها كثير من الأفعال، وليس المقصود بها أفعالا معينة بذاتها.
ويقصد بالأفعال الخمسة: كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة ا. هـ.
ومقتضى الكلام السابق أن هذه الأفعال ثلاثة لا خمسة، لأن المضارع من هذه الأفعال يكون مع ألف الاثنين -وهذه واحدة- أو واو الجماعة -وهذه ثانية- أو ياء المخاطبة -وهذه ثالثة- فكيف صارت خمسة؟؟
الحق أن ألف الاثنين تأتي مع المضارع للغَائِبَيْن أو المخاطَبَيْن، ومثلها تماما واو الجماعة تكون للغائِبِين أو المخاطبِين، فهذه أربع صور، ويضافإليها صورة ياء المخاطبة، فتلك إذن خمس، فلنلاحظ الأمثلة الآتية:
يصنعان، يكوّنان، يؤديان، يشعران، يجدان. “مضارع مسند لألف الاثنين للغائِبَين”.
تصنعان، تكوّنان، تؤديان، تشعران، تجدان. “مضارع مسند لألف الاثنين للمخاطَبَين”.
يصنعون، يكوِّنون، يؤدُّون يشعرون، يجدون. “مضارع مسند لواو الجماعة للغائِبِين”.
تصنعون، تكوّنون، تؤدون، تشعرون، تجدون. “مضارع مسند لواو الجماعة للمخاطَبِين”.
تصنعين، تكوّنين، تؤدّين، تشعرين، تجدين. “مضارع مسند للمخاطبة”.
فهذه هي الأفعال الخمسة، ويعبر عنها أحيانا بالوزن الصرفي، فيقال -كما جاء في ابن عقيل- وهي “يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين”.
وإعراب الأفعال الخمسة يكون كالآتي: ترفع بثبوت النون نيابة عن الضمة، وتنصب بحذف النون نيابة عن الفتحة، وتجزم بحذف النون نيابة عن السكون.
وإذا عاودنا النظر إلى الأمثلة التي بدأ بها الموضوع، وجدنا الأفعال، “يصنعون، يكونون، يشعرون” في الأمثلة مرفوعة -لتجردها من الناصب والجازم- بثبوت النون، والفعل “يؤدوا” منصوب -بعدم لام التعليل- بحذف النون.

وأما الفعل “يجدوا” فهو مجزوم بعد “لم” وعلامة جزمه حذف النون.
جاء في القرآن: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ الآية 281 من سورة البقرة..
وجاء في القرآن: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ 78 من سورة المائدة.6363632.
وجاء في القرآن: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ﴾ الآية 129 من سورة النساء..
ما يتفرع على ذلك:
يتفرع على هذا الموضوع السابق مسألتان:
الأولى: نون الرفع مع نون الوقاية
لاحظ الأمثلة الآتية:
“تَتذكرانِني، تَزورانِني، تُؤنسونَني، تُسعدونني”.
من البيّن أن هذه الأفعال الأربعة أصلها “تتذكران، تزوران، تؤنسون، تسعدون” والنون الموجودة ههنا هي نون الرفع، ثم جاء بعدها نون الوقاية وهي نون تتوسط بين الفعل وياء المتكلم لتقي الفعل من الكسر -كما قالوا- فصار على الصورة السابقة باجتماع النونين متجاورتين، الأولى نون الرفع والثانية نون الوقاية، وقد جاء نطق العرب لهاتين النونين على الصور الثلاث الآتية:
1- بقاء النونين على أصلهما، فينطق بهما معا -كما هو واضح في الأمثلة السابقة- وكما جاء في القرآن: ﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ﴾ الآية 17 من سورة الأحقاف.، وقوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ الآية 5 من سورة الصف..
2- إسكان النون الأولى -نون الرفع- وإدغامها في الثانية، فتصير نونًا مشددة، كما لو نطقنا الأمثلة السابقة “تتذكرانِّي، تزورانِّي، تؤسونِّي، تسعدونِّي” وقد قرئت بذلك الآية: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾ 54 من سورة الزمر..
3- أن تحذف النون الأولى تخفيفا للنطق، كما لو نطقنا الأمثلة السابقة: “تتذكرانِي، تزورانِي، تؤسونِي، تسعدونِي” وحينئذٍ يكون الفعل مرفوعا بالنون المحذوفة تخفيفا.
الثانية: حذف نون الرفع لضرورة الشعر
المعلوم -كما سبق- أن مجال الشعر ضيق لتقيد الشاعر بالوزن والتفاعيل المعدودة، والقافية اللازمة، ولذلك فإنه يباح للشاعر ما لا يباح للناثر، ومما يباح له أحيانًا حذف نون الرفع في الأفعال الخمسة إذا اضطر إلى ذلك، وقد ورد ذلك في شعر الفصحاء من شعراء الجاهلية والإسلام، ومن ذلك:
قول طرفة بن العبد:
يا لَك من قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ

خلَا لَكِ الجوُّ فبيضي واصْفِرِي** ونقّري ما شئتِ أن تُنَقِّرِي
قد رُفع الفخُّ فماذا تحذرِي ** لا بُدَّ يومًا أن تُصَادِي فاصْبِرِي[1]

وقد كان مقتضى الكلام أن يقول: “ماذا تحذرين” لكنه حذف النون لضرورة الوزن والقافية.
– قول الشاعر يؤنب زوجه بطريقة رديئة:

أبِيتُ أسْري وتبيتي تدلُكي *** وجهَكِ بالعنبر والمسْك الزكي[2]

وقد كان مقتضى الكلام أن يقول: “وتبيتين تدلكين” لكنه حذف النون لضرورة الوزن والقافية.

المصدر: النحو المصفى



[1] القبرة: طائر معروف، معمر: اسم مكان، اصفري: الصفير إرسال الصوت في طلاقة.
والأبيات خطاب لقبرة صفا لها الجو وخلا، فلها أن تبيض وتزقزق وتنقر الأرض حيث تشاء دون خوف من الصياد وآلته، ثم يتوعدها أخيرًا بأنها سوف تصاد فيما بعد، وبعد الفرح الحزن. والأبيات تستخدم لكل من غرته السعادة العاجلة عن الشر الآجل.
الشاهد فيها “فماذا تحذري” وكان حقه أن يقول: “فماذا تحذرين” لكن حذفت النون لضرورة الوزن والقافية.

[2] يدل على امرأته بأنه يشقى ويتعب ويكدح، أما هي فعملها التزين والتطيب، مع أن هذا من طبائع الأمور!!
الشاهد في “تبيتي” وكان من المفروض أن يقول “تبيتين” ولكنه حذف نون الرفع للضرورة الشعرية، ومثلها “تدلكي”.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق