المؤلف: محمد عيد

جمع المذكر السالم

1- المقصود بجمع المذكر السالم وكيفيه إعرابه

2- صفات الاسم الذي يجمع هذا الجمع

3- ما ألحق بجمع المذكر السالم من الأسماء

جمع المذكر وكيفية إعرابه:
من القرآن:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} الآية 1، 2 من سورة المؤمنون..
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} من الآية 145 من سورة النساء..
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} من الآية 141 من سورة النساء..
الكلمات: “المؤمنون، خاشعون، المنافقين، الكافرين” مما يطلق عليه اسم “جمع المذكر السالم” ومثلها كثير جدا مما لا يكاد يحصى، مثل: “مهتدون، متماسكون، متراحمون، متواضعون، متعففون، راضون، نابهون، أكرمون”.
فجمع المذكر السالم يقصد به: اسم دلَّ على أكثر من اثنين مع سلامة لفظ مفرده بزيادة واو ونون أو ياء ونون في آخره. ا. هـ.
ومن ذلك التعريف يعلم أن جمع المذكر السالم ما اجتمعت له الصفات الآتية:
أ- أن يدل على ثلاثة فصاعدا، فكلمة: “مواطنون” تدل على عدد يبدأ من ثلاثة إلى ما لا نهاية، وهذا يفسر لنا تسميته “جمعا”.
ب- أن هذا الجمع لا يطلق إلا على الذكور فقط، فكلمة “منافقون” يقصد بها جماعة الذكور فقط، وهذا يفسر لنا تسميته “مذكرا”.
ج- أن المفرد يبقى -حين الجمع- كما هو دون تغيير، فقط يضاف إليه الواو والنون أو الياء والنون، مثل: “متواضع” المفرد، يأتي منه هذا الجمع “متواضعون، متواضعين” فبقي المفرد سالما دون تغيير فيه، وهذا يفسر لنا تسميته “سالما”.
ولعله قد وضح تماما تسمية هذا الجمع بالكلمات الثلاث “جمع مذكر سالم”.
هذا الجمع يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، ففي الآيات السابقة -بدئ بها الموضوع- كلمة “المؤمنون” في الآية الأولى مرفوعة بالواو وفي الآية الأخيرة مجرورة بالياء، وكلمة: “المنافقين” في الآية الثانية منصوبة بالياء، وكلمة “الكافرين” في الآية الأخيرة مجرورة بالياء.
هذا هو الأصل في إعراب جمع المذكر السالم -بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا- وهو اللغة الفصحى المشهورة التي ينبغي لنا النطق على طريقها.
لكن ينبغي أن نتذكر هنا -كما قلنا غير مرة- أن اللغة رويت عن قبائل متعددة، ومما نقل عن العرب في إعراب جمع المذكر لغة أخرى لا شهرة لها ولا كثرة، والغرض من ذكرها هنا العلم بها دون التأثر بنطقها أو القياس عليها، وهي:
بعض العرب يلزم جمع المذكر الياء دائما ويأتي على النون في آخره بالإعراب الأصلي، فتشكل بالضمة رفعا وبالفتحة نصبا وبالكسرة جرا ومما ورد من ذلك الشواهد الآتية:

ما روي عن الرسول في دعائه على قريش: “اللَّهمَّ اجعلها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف” [1] فكلمة “سنين” وردت في الحديث أولا منصوبة بفتحة النون، وثانيا مجرورة بكسرة النون.
– قول الصمة بن عبد الله القشيري:

دعانِيَ من نَجْدٍ فإنّ سنينَه … لَعبْن بِنا شيبٍا وشَيَّبْنَنَا مُرْدا[2]

– قول ذي الإصبع العدواني:

إنِّي أبِيٌّ أبِيٌّ ذو محافظة … وابن أبِيٍّ أبِيٍّ من أبِيِّين[3]

وهي لغة قليلة الشهرة -كما ذكرنا- وينبغي -إن لم يجانبني الصواب- صرف النظر عنها وعن أمثالها مما ورد في جمع المذكر السالم من اللغات التي لا داعي لذكرها.
صفات الاسم الذي يجمع هذا الجمع:
الذي يجمع هذا الجمع من الأسماء المفردة صنفان:
الصنف الأول: العلم
ويقصد بالعلم: ما كان اسما لشخص أو شيء معين، مثل: “محمد، خالد” والعلم الذي يجمع هذا الجمع لا بد “أن يكون لمذكر عاقل خالٍ من تاء التأنيث”
فلنلاحظ الأمثلة الآتية:
محمد، خالد، عامر، عمر، علي، أحمد. “يصح جمعها لاستيفاء الشروط”.
سعاد، زينب، أسامة، معاوية. “لا يصح جمعها لفقدان بعض الشروط”.
الصنف الثاني: الوصف
يقصد بالوصف: ما دل على ذات وصفة، وذلك بالتحديد “اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، صيغ المبالغة”.
مثل: “ناجح، مسرور، فَرِح، أرْوَع، لَمَّاح”.
والوصف الذي يجمع هذا الجمع لا بد “أن يكون لمذكر عاقل خالٍ من التاء وليس على وزن أفْعَل فَعْلاء ولا فَعْلان فَعْلَى” فلنلاحظ الأمثلة:
مُخلِص، متفوِّق، مأمون، فَرِح، أحْسن، لمَّاح. “يصح جمعها لاستيفاء الشروط”.
ناهِد، صاهل، نابح، راوية، علّامة، أخضر، خضراء، عطشان، عطشى. “لا يصح جمعها، لفقدان بعض الشروط”.
ما ألحق بجمع المذكر من الأسماء:
المقصود بالملحق بجمع المذكر -كما سبق في المثنى- أن يكون الاسم على صورة جمع المذكر، وقد ورد في اللغة معربا إعرابه -بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا- لكنه لا ينطبق عليه مسلك الكلمات التي تجمع هذا الجمع وشروطها، فهو جمع في الصورة، وليس جمعا في الحقيقة، ولهذا يلحق بجمع المذكر في إعرابه ولا يعتبر جمعا.
والأسماء التي تلحق بجمع المذكر تأتي في مجموعتين هما:
المجموعة الأولى:
أولو، عشرون وبابه، كلمة “أولو” بمعنى كلمة “أصحاب”، نقول: “أولو العزيمة، أولو المشورة” وباب “عشرون” يقصد به “ثلاثون، أربعون، خمسون، ستون، سبعون، ثمانون، تسعون” فهذا كله لا مفرد له من لفظه، إذ لا يقال: “أُول، عِشْر”

جاء في القرآن: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} الآية 22 من سورة النور..
جاء في القرآن: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} من الآية 12 من سورة الزمر..
قول أبي المنهال الخزاعي يشكو الشيخوخة:

إن الثمانين وَبُلِّغْتها … قد أحْوَجَتْ سمعي إلى ترجُمَان[4]

المجموعة الثانية:
بنون، أهْلون، عَالَمون، وَابِلون، أرَضون، سِنَون، وبابه:
والمقصود بباب “سنون” كل ما كان مثله في المفرد والجمع مثل “مِئين، عِزِين، عِضِين” فهذه المجموعة كلها لها مفردات حقا هي على الترتيب “ابن، أهل، عالم، وابل، أرض، سنة” لكن هذا المفرد فيها جميعا لا يجمع جمع مذكر سالما؛ لأنه اسم جامد وليس علَما أو صفة.
ويضاف إلى ذلك أن بعض هذه المفردات لغير عاقل مثل “أهل، عالَم، وابل” وبعضها غير عاقل ومؤنث مثل “أرض، سنة”.
وخلاصة الأمر في هذه المجموعة أن مفرداتها لا تصلح لجمع المذكر السالم ولذلك اعتبرت ملحقة به، ومن شواهدها:
قول القرآن: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} من الآية 6 من سورة الكهف..
قول القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الآية الأولى من سورة الفاتحة..
قول الرسول: “من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرَضين”[5].
– قال الشاعر:

وما المالُ والأهْلون إلا ودائعُ … ولا بدَّ يومًا أن تُردَّ الودائعُ[6]

– قول أبي تمام:

أعوامُ وصلٍ كان ينسِي طولَها … ذكرُ النَّوَى فكأنها أيَّامُ
ثم انبرتْ أيامُ هجْرٍ أردفتْ … بجوى أسى فكأنها أعوامُ
ثم انقضتْ تلك السِّنون وأهلُها … فكأنَّها وكأنهم أحلامُ[7]

المجموعة الثالثة:
ما سمي بجمع المذكر مثل: “عابدين، ابن زيدون، سعدون، حمدون”.
فهذه من جموع المذكر السالم في اللفظ؛ لأنها في الأصل جمع “عابد، زيد، سعد، حمد” ثم سمي بها واحد فقط، فصار معناها غير جمع بل مفردا، فهي -لذلك- ملحقة بجمع المذكر، فتعرب -فيما يرى النحاة- إعرابه، بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرًّا.
والذى أراه -إن لم يجانبني الصواب- أنه إذا سمى بجمع المذكر، فإنه يلتزم صورة التسمية، ويعرب بالحركات الأصلية على آخره؛ لأن هذا هو الذي يتفق مع الإحساس اللغوي بالكلمة بعد أن سمّي بها، إذ يتناسى أصلها، وتعتبر مفردا جاء على هذه الصورة الخاصة التي أطلق بها على المفرد فتقول: “من أصدقائي الأستاذُ عابدينُ” وتقول: “احترمتُ الصديقَ عابدينَ لوفائه” وتقول: “من أحياء القاهرة العريقة حَيُّ عابدينِ”، وهو لا ينون نظرا لأصله قبل التسمية.

المصدر: النحو المصفى

 


[1] أوردت بعض كتب النحو -كالأشموني- الحديث بالصورة المذكورة لكن البخاري أورده في كتاب التفسير عن ابن مسعود بلفظ: “اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف” وعلى ذلك فلا دليل فيه، انظر “فتح المبدي ج3 ص193”.
الشاهد في الحديث: مجيء كلمة “سنين” فيه مرتين ملتزمة الياء ومعربة على آخرها بالحركات الأصلية، فهي في الأولى منصوبة ومنونة “سنينا” وفي الثانية مجرورة بالكسرة على النون في “كسنين يوسف” وقد جاءت على اللغة غير المشهورة.
لكن للحديث رواية أخرى، هي: “اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف” وعلى هذه الرواية يكون قد جاء على اللغة الفصحى في إعراب جمع المذكر السالم فحذف التنوين من الكلمة أولا، وحذف النون منها ثانيا للإضافة.

[2] دعاني: بمعنى اتركاني، المرد: جمع أمرد، وهو الشاب الذي لم ينبت في وجهه شعر.
يقول: اتركا ذكر “نجد” وسيرته، فأنا أضيق بذلك ولا أطيقه، لما جرى لي به من الأحداث الجسام التي هزت الشيوخ وشيبت الشباب.
الشاهد في البيت: موضعه في “سنينه” حيث لزمت الياء وأعربت على النون، فهي منصوبة اسم “إن”، وتلك لغة غير مشهورة.

[3] الأبيّ: الشهم الشجاع.
وموضع الشاهد في البيت كلمة “أبيين” في آخره، فقد التزمت الياء وأعربت على النون فهي مجرورة بالحرف “من” بكسرة النون، وذلك على اللغة غير المشهورة

[4] بلغتها: جملة دعائية للمخاطب بأن يطيل الله عمره حتى يبلغ الثمانين، ترجمان: الأصل أنه الذي ينقل الكلام من لغة لأخرى، والمقصود به هنا: الذي يبلغ الشيخ الطاعن في السن ما يقال لضعف سمعه.
الشاهد في البيت: “الثمانين” فإنها ملحقة بجمع المذكر السالم، فتعرب إعرابه، وهي في البيت اسم “إن” منصوبة بالياء.

[5] صحيح البخاري، الجزء الثالث، كتاب المظالم والغصب.

[6] موضع الشاهد: في كلمة “الأهلون”، فإنها ملحقة بجمع المذكر السالم وهي معطوفة على كلمة “المال” المرفوعة، فهي أيضا مرفوعة بالواو.

[7] النوى: البعد، انبرت: جاءت، أردفت: جاء في أثرها.
ذكرى مؤثرة، أعوام من السعادة مرت كأنها أيام، وأيام من التعاسة طالت كأنها أعوام، وانتهى الجميع، ولم يبق إلا ذكرى كأنها أحلام.
والأبيات لأبي تمام، وهو -فيما يرى النحاة- لا يستشهد بشعره، وإنما جاءت على سبيل التمثيل.
وموضع التمثيل: في البيت الأخير في كلمة “السنون” فهي ملحقة بجمع المذكر، وهي في البيت مرفوعة بدل من كلمة “تلك” وعلامة رفعها الواو.