مسائل نحوية متفرقة (5)

مسألة [٤٤]

[قال: ] ومما أصبناه في السابع من ذلك قوله /٥٨/ في باب ترجمته: هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها، قال: (والمضاف إلى المعرفة يوصف بثلاثة أشياء: بما أضيف كإضافته، أو بالألف واللام، والأسماء المبهمة).

قال محمد: أصل ما ذكر في الصفات أن الأخص يوصف بالأعم، وما كان معرفة بالألف واللام والأسماء المبهمة فهو أخص مما أضيف إلى الألف واللام، فلا ينبغي على هذا القياس أن يقول: رأيت غلام الرجل الظريف إلا على البدل.

قال أحمد: إن أصل ما ذكر في الصفات أن الأخص يوصف بالأعم، فهو يوصف بالأعم كما ذكر ويوصف بما كان مثله، ألا ترى أنك تقول: مررت بالرجل الظريف، فليس الظريف بأعم من الرجل، لكنه مثله، فإذا قلت: مررت بزيد الظريف فقد وصفته بما هو أعم منه، فالصفة تكون على نحوين: تكون أعم من الموصوف وتكون (مثل الموصوف)، ولا تكون أخص من الموصوف، ولذلك قال سيبويه: والمضاف إلى المعرفة يوصف بما أضيف كإضافته أي بما هو مساو له، وبالألف واللام، أي: بما هو أعم منه.

وأما قوله: إن ما كان معرفة بالألف واللام أخص مما أضيف إلى الألف واللام كما ذكر، لأن ما أضيف إلى الألف واللام إنما يعرف ويخصص من حيث يعرف ما فيه الألف واللام وليس أحدهما بأخص من الآخر، لأن الألف واللام عرفتهما جميعا، فهما متساويان، فلذلك تقول: رأيت غلام الرجل الظريف، فيكون كقولك: رأيت الرجل الظريف، لا ترى بينهما فرقا، وكذلك نعم الرجل فلان، فما أضفته إلى ما فيه الألف واللام فهو بمنزلة ما فيه الألف واللام.

مسألة [٤٥]

قال: ومن ذلك قوله في هذا الباب في قول ذي الرمة:

ترى خلقها نصفا قناة قويمة … ونصفا نقا برتج أو يتمرمر

قال: (وبعضهم ينصبه على البدل، وإن شئت جعلته بمنزلة قائما) أي: حالا.

قال محمد: وهذا عندي خطأ- أعني الحال-، وذلك لأن نصفا لا ينبغي أن يكون هنا إلا معرفة، لأن معناه الإضافة، والعلة التي أدعاها في بعض وكل من الإضافة هي في نصف، /٥٩/ لأن المعنى نصفه، كما أنه إذا قال: مررت ببعض قائما أو بكل جالسا، فإنما يريد بعضهم وكلهم.

قال أحمد: إنما جاز أن يكون ها هنا حالا لأن في الكلام ما يسيغ ذلك فيه، ولأن المعنى كأنه نصف قويم ونصف يرتج، وإذا وصف الشيء بما يجوز أن يكون حالا جعل في موضع الحال، وتقول في مثله: رأيت القوم رجلا جالسا ورجلا قائما، فتجعل رجلا حالا وهو اسم لأنه وصف بما يكون حالا.

فأما قوله: إن نصفا معرفة، فهذا ليس بحتم فيه، لأنه قد يراد به المعرفة و [قد] يراد به النكرة، وكلاهما يقدر فيه جائز غير ممنوع، ولو كان هذا كما ذكر محمد في كل مضاف لوجب عليه أن يقول: إن أخا معرفة لأنه يتضمن معنى أخيه، وأبا كذلك لأنه يتضمن معنى الأب، وأب لا يتضمن معنى الأب وكذلك فوق وتحت وكل اسم يقتضي إضافة تلزمه فيه مثل ذلك، وهذا لا يقوله أحد، إلا أن العرب قد استعملت بعض هذه الأسماء التي تتضمن معنى الإضافة استعمالا كثيرا، على أنها معرفة محذوف منها ما أضيفت إليه، وألزمتها ذلك في أكثر الكلام، ولم يطرد ذلك القياس في غيرها مما هو في معناها وذلك نحو كل وبعض.

مسألة [٤٦]

قال: ومن ذلك قوله في باب ترجمته: هذا باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة مجرى الأسماء التي لا تكون صفة، قال وزعم يونس أن ناسا يقولون: مررت برجل خير منه أبوه، ومررت برجل أفضل منه أبوه، فيجرونه على الأول كما يجرون برجل خز صفته.

قال محمد: ورواه سيبويه على القبول، وهذا غلط، لأن مررت برجل خز صفته رديء جدا، وما كان مثله وخير منك وأفضل منك مأخوذ من خار يخير، وفضله يفضله، وكذلك جميع بابه يتصرف منه فعل ويكون منه للأول أبدا، نحو مررت برجل خير منك وأفضل منك، ومررت بصفة خز لا يجوز إلا مستكرها، فبينهما إذا أردت بهما الآخر ما بينهما إذا خلصا للأول.

وأخطأ سيبويه في وضعه في هذا الباب مثلك وأيما رجل، لأن هذا غير مأخوذ من فعل/٦٠/ ولا يكون بمنزلة ما أخذ من الفعل وكان فاعلا في الاشتقاق، ولكن مررت برجل أيما رجل أبوه، ومررت برجل مثلك أبوه، أجود من مررت برجل خز صفته بكثير، لأن خزا لا يكون صفة إلا رديئا مخرجا من بابه، ومثله وأيما رجل لا يكونان إلا صفة، فبينهما كثير.

قال أحمد: قوله: رواه سيبويه على القبول وهذا غلط، فليت شعري في أي شيء غلط؟ أفي تركه تكذيب يونس في الرواية أم في تركه محاجة العرب إذا صدق يونس في روايته، ولا أحسبه أراد أنه غلط إلا في قبول قول يونس.

وأما قوله: لأن مررت برجل خز صفته رديء جدا، فهو مع رداءته قد أجازه، وإنما أراد أن العرب أجازت، مررت برجل خير منك أبوه، كما أجازت الذي هو صفة، إذ أجازوا ما هو أردأ منه، فإنما أتى بخز صفته تحسينا لإجازتهم، مررت برجل خير منك أبوه، لأنهم أجازوا ذلك فيما ليس بصفة.

وأما قوله: إن أفضل وخيرا وما أشبهما أخذا من الفعل فلا فائدة في هذا، مع قول سيبويه في ترجمة الباب: (وهذا باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة مجرى الأسماء التي لا تكون صفة)، فقد أعلمنا بهذا القول أنها أوصاف وأن خزا وما أشبهه ليس بصفة، إلا أن العرب لما قدمتها على الموصوفات في هذا الباب رفعتها وأجرتها مجرى الأسماء، إذ كانت أوصافا غير جارية على الفعل وإن كانت (مشتقة منه).

وأما قوله: إنه أخطأ في وضعه مثلك وأيما رجل في هذا الباب، فكيف يكون مخطئا في ذلك وقد اعترف له في آخر الباب؟ لأن الوجه فيهما الرفع إذا كان للآخر كما كان خير منك كذلك، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل خير منك أبوه، فالرفع الوجه في مذهب الجماعة ومذهب محمد بن يزيد، وإذا قلت: مررت برجل أيما رجل أبوه، فالرفع فيه الوجه كما كان في خير، ولو كان هذا الذي ذكره غلطا لوجب أن يخالفهم في الرفع، ويزعم أن إجراء مثل هذا على الأول /٦١/ أجود، وهو لا يقول ذلك، والذي أوقع له هذا الشك ذكر سيبويه لقولهم: مررت برجل خز صفته، فظن بذكر هذا أن سيبويه أنزلهما منزلة واحدة، وإنما جاء بهذا عذرا لمن أجرى الصفة على الأول وهي للآخر، إذ كان يجيز ذلك فيما ليس بصفة “وهو أردأ”.

المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق