‌‌مسألة [٤٠] ظروف الزمان أشد تمكنا في الأسماء

ومن ذلك قوله في هذا الباب: (واعلم أن ظروف الزمان أشد تمكنا في الأسماء، لأنها تكون فاعلة ومفعولة، تقول: أهلكك الليل والنهار، واستوفيت أيامك).

قال محمد: والأمكنة كذلك، تقول: أنصبك الطريق، وبعد عليك الفرسخان وسرت الميلين، فإن قال: الطريق لا ينصبك على /٥٥/ الحقيقة، إنما أنت سرت فنصبت، وسرت الميلين إنما هما مفعولان على السعة، قيل: فكذلك الدهر، لأن الليل والنهار إنما يتلف الله [سبحانه الناس] فيهما كما يتلفهما، ويفنى الناس كما يفنيهما، وذلك استوفيت أيامك، “أنت لم تفعل شيئا” إنما ذهبت كما ذهبت الأمكنة، والأمكنة أولى بأن تكون فاعلة ومفعولة، لأنها جثث كالناس وقد قال سيبويه: والأماكن إلى الناس وغيرهم أقرب.

قال أحمد: أما قوله: إن الأمكنة كذلك، فليس هذا الذي ذكر يعم جميع الأمكنة، لأن منها ما لا يستعمل إلا ظرفا إلا في الشعر أو ضعف من الكلام، وأسماء الزمان ليست كذلك، لأنها تستعمل أسماء كثيرا وليس منها ما يلزم الظرف كما ألزموا بعض الأمكنة، فلذلك جعلها سيبويه أشد تمكنا.

وأما قوله: إن الأمكنة أولى بأن تكون فاعلة ومفعولة لأنها جثث، فهذا كلام ضعيف، لأنه إن كان أراد بقوله: (أولى) أنها أولى في كلام العرب فلم توجد في كلام العرب كذلك، وإن كان أراد بها أولى في القياس فأي قياس يوجب هذا لها دون غيرها؟ وقد يكون الفاعل والمفعول جثة وغير جثة، وليست الجثث مخصوصة بذلك دون غيرها من الأسماء التي ليست بجثث نحو القيام والقعود إذا قلت: رأيت قيامك حسنا، وأعجبني قيامك، وكذلك أعجبني عقلك، وليست هذه جثثا.

وأما قول سيبويه: إن الأماكن إلى الناس وغيرهم أقرب، فلم يذكر ذلك المعنى الذي ذهب إليه محمد بن يزيد، وإنما زعم أن الأزمنة أقرب إلى الفعل، لأنها ماضية ومستقبلة، والأماكن ليست كذلك، فلهذا ذكره، ولم يجب بذلك أن تكون الأمكنة أشد تمكنا في الأسماء من الأزمنة، بل الأزمنة أمكن لأنها لم تستعمل ظروفا غير أسماء، والأمكنة قد استعمل منها ظروف غير أسماء، وهذا ما ذهب إليه سيبويه.

المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق