‌‌التعريف بالحاكم وبكتابه المستدرك

عناصر الموضوع:

الحاكم

شروعه في التأليف

أقوال العلماء في أبن الحاكم

وفاته

‌‌(ب) المستدرك

ملاحظات على كتاب الحاكم في المستدرك

‌‌(أ) الحاكم:

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم، أبو عبد الله بن البيع الضّبّي، الطّهماني، النيسابوري، الشافعي.

ولد يوم الاثنين ثالث شهر ربيع سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بنيسابور.

 

وطلب العلم في صغره بعناية والده وخاله، وأوّل سماعه كان في سنة ثلاثين وثلاثمائة، واستملى على ابن حبان في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

 

ورحل في طلب العلم وهو ابن عشرين سنة، وسمع من نحو ألفي شيخ، وعدد من روى عنهم في المستدرك فقط واحد وتسعون وأربعمائة شيخ [1].

 

ومن أبرز شيوخه: أبو بكر الصبغي، وابن حبان، والدارقطني، وأبو أحمد الحاكم، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ النيسابوري، ومحمد بن يعقوب الأصم، وابن الأخرم محمد بن يعقوب الشيباني، وغيرهم.

وحدث عنه الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح ابن أبي الفوارس، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي صاحب الإِرشاد، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وغيرهم.

وقد شرع الحاكم في التأليف سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وله من العمر نحو من ست عشرة سنة، فكثُرت مصنفاته حتى بلغت قريباً من ألف جزء، منها:

1- المستدرك على الصحيحين.

2- تاريخ نيسابور.

3- معرفة علوم الحديث.

4- المدخل إلى الصحيح.

وغيرها من الكتب.

وكان الحاكم -رحمه الله- من أجلّة العلماء، وحفّاظ الحديث، أثنى عليه جمع من العلماء. قال الخليل بن عبد الله الحافظ -بعد أن ذكر الحاكم-: ناظر الدارقطني، فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، قال: ثم كنت أسأله، فقال لي: إذا ذاكرت في باب لابد من المطالعة لكبر سنّي، فرأيته في كل ما ألقي إليه بحراً [2].

أقوال العلماء في أبن الحاكم:

وقال عبد الغافر بن إسماعيل: أبو عبد الله الحاكم هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته … ، ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره مثل الصعلوكي، والِإمام ابن فورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة، ثم أطنب في تعظيمه، وقال: هذه جمل يسيرة، وهو غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث، أذعن بفضله، واعترف له بالمزيّة على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، عاش حميداً، ولم يخلف في وقته مثله [3].

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني: أيهما أفضل، ابن مندة، أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظاً [4].

وقال الخطيب البغدادي: كان من أهل الفضل والعلم، والمعرفة والحفظ، وله في علوم الحديث مصنفات عدة، وكان ثقة [5].

وقال الذهبي: الإِمام الحافظ الناقد العلاّمة، شيخ المحدّثين، صاحب التصانيف [6].

قلت: وقد اتهم الحاكم بالرفض والغلو في التشيع، وليس الأمر كذلك؛ وإنما فيه تشيع قليل لا يصل به إلى درجة الغلو والرفض، وقد أطال ابن السبكي الكلام في رد هذه التهمة عن الحاكم، وفي الآخر قال: “أوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي -رضي الله عنه-، يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً، ولا أقول أنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، ولا أنه يفضل علياً على الشيخين، بل أستبعد أن يفضله على عثمان -رضي الله عنهما-” [7].

وردّ الذهبي على من وصف الحاكم بالرفض بقوله: “ليس رافضياً، بل يتشيّع”، وقال أيضاً في وصف الحاكم: “صنّف، وخرّج، وجرّح وعدّل، وصحّح وعلّل، وكان من بحور العلم، على تشيع قليل فيه” [8].

وفاته: توفي الحاكم -رحمه الله- في صفر سنة خمس وأربعمائة، وذلك أنه دخل الحمام، فاغتسل، وخرج، وقال: آه، وقبضت روحه وهو متّزر، لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر، يوم الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري [9].

‌‌(ب) المستدرك:

تقدم أن الحاكم ألّف كتابه المستدرك بناءً على سؤال جماعة من أعيان أهل العلم أن يجمع لهم كتاباً يشتمل على أحاديث مروية بأسانيد يحتج البخاري ومسلم بمثلها؛ ردّاً على من ظهر في عصره من المبتدعة الذين يشمّتون برواة الآثار، ويزعمون أن ما صح من الأحاديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهي التي حواها الصحيحان.

وقد رتب الحاكم كتابه هذا على أبواب الدين، فهو من الجوامع، وأورد فيه أحاديث رأى أنها صحيحة على شرط الشيخين، أو أحدهما، أو صحيحة فقط، لا على شرط أحد منهما، ولم يخرجها أحد من الشيخين في صحيحهما، وقد يورد الحديث ويذكر بعض علله، ثم يتبعه بشواهد يصحح الحديث بمجموعها [10]، وقد يورده لاستغرابه له، وينص على أن أحد رواته ليس من شرط كتابه [11].

وقد اختلف العلماء في مقصود الحاكم بشرط الشيخين أو أحدهما، وقد تبنّى الذهبي الرأي القائل: إن شرط الشيخين أو أحدهما: كون سلسلة رجال الإِسناد من الصحابي إلى طبقة شيوخ الشيخين هم ممن أخرج لهم في الصحيحين، أو أحدهما على حسب تصحيح الحاكم للحديث.

ملاحظات على كتاب الحاكم في المستدرك:

ومما لا شك فيه أن الحاكم توسع في الشرط، وتساهل في حكمه على أحاديث بالصحة مع أن في أسانيدها من رماه هو بالكذب [12].

وبناء على هذا التساهل نيل من الحاكم، ومن كتابه، فقال أبو سعد الماليني: “طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثاً على شرطهما”، فتعقبه الذهبي بقوله: “هذه مكابرة وغلوّ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في المستدرك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث، في الظاهر على شرط أحدهما، أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفيّة مؤثّرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيّد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها” [13].

وقال الذهبي في موضع آخر: “ليته لم يصنف المستدرك، فإنه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه”[14].

قلت: وقد اعتذر بعضهم عن الحاكم بعدة أعذار، منها كبر سنه عند تأليف الكتاب، ومنها قول الحافظ ابن حجر [15]: “إنما وقع للحاكم التساهل لأنه سوّد الكتاب لينقّحه، فأعجلته المنية، قال: وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم، ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الِإجازة، فمن أكبر أصحابه، وأكثر الناس له ملازمة: البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غير المملى شيئاً لا يذكره إلا بالِإجازة، قال: والتساهل في القدر المملى قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده”. اهـ [16].

 

قلت: وقد جمع الذهبي الأحاديث الموضوعة في المستدرك في جزء اسمه: “المستدرك على المستدرك”، وهي تقارب مائة حديث [17].

 

المصدر: مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم



[1] كما في فهرسة الشيخ الميرة لشيوخ الحاكم (ص ٩٤ – ١٠٣) من رسالته آنفة الذكر.

[2] تذكرة الحفاظ (٣/ ١٠٤٠ – ١٠٤١).

[3] المرجع السابق (ص ١٠٤٣ – ١٠٤٤).

[4] سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٧١).

[5] تاريخ بغداد (٥/ ٤٧٣).

[6] سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٦٢ – ١٦٣).

[7] طبقات الشافعية (٤/ ١٦٧).

[8] سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٧٤).

[9] الموضع السابق (ص ١٧٣)، وانظر ترجمة الحاكم في: تاريخ بغداد (٥/ ٤٧٣ – ٤٧٤)، وتذكرة الحفاظ (٣/ ١٠٣٩ – ١٠٤٥)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ١٦٢ – ١٧٧)، وطبقات الشافعية لابن السبكي (٤/ ١٥٥ – ١٧١).

[10] أخرج الحاكم في المستدرك (١/ ٥٣٨) حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً: “من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله … ” الحديث، وذكر الاختلاف على عمر بن محمد، ثم أتبعه ببعض التابعات، وقال: “وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وبريدة الأسلمي، وأنس -رضي الله عنهم أجمعين-، وأقربها بشرائط هذا الكتاب حديث بريدة بغير هذا اللفظ”.

[11] كما في المستدرك (٣/ ٢٦٢) حين قال: “ومسانيد عتبة بن غزوان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزيزة، وقد كتبنا من ذلك حديثاً استغربناه جداً، أنا ذاكره، وإن لم يكن الغلاّبي من شرط هذا الكتاب، ثم ذكره، وهو الحديث الآتي برقم (٦٧١)، وهو حديث موضوع بذاك الِإسناد.

[12] انظر الحديث رقم (٦٤٨) حيث صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: “سهل قال الحاكم في تاريخه: كذاب، وهنا يصحح له … “.

[13] سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٧٥).

[14] تذكرة الحفاظ (٣/ ١٠٤٥).

[15] تدريب الراوي (١/ ١٠٦ – ١٠٧).

[16] وانظر الحاكم وكتابه المستدرك للشيخ محمود الميرة (ص ١١٥) فما بعد.

[17] انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (٢/ عمود ١٦٧٢)، و”الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الِإسلام” لبشار عواد معروف (ص ١٤٣).

ترك تعليق