كتبه: ابن القَطَّاع الصقلي
تحقيق: أ. د. أحمد محمد عبد الدايم

باب الأفعال الرباعية


الفعل الرباعي غير المزيد على مثال واحد وهو (فعلل) نحو دحرج، والفاعل مُفعللٌ، والمفعول مُفعلل.

والمزيد منه يجئ على (تفعلل) وتصرفه كذلك.

ويجئ على (افعنلل) نحو احرنجم، ولا يتعدى الفاعل، وتصرفه تصرف استفعل.

وعلى (افعلل) نحو اقشعر واطمأن واطلخم إذا كبر، واسمهر الأمر اشتد، ولا يتعدى الفاعل.

وعلى (افعلل) نحو اخرمس في منطقة إذا سكت، اجرمز إذا انقبض عن الشيء، وادرمج استتر.

فصل: اعلم أن الألوان تجيء على (افعل وافعال) نحو احمر واحمار وابيض وابياض. قرأ الزهرى {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} وإذا رد إلىما لم يسم فاعله. قيل: احمُور واشهُوب فيمن قال: احمَار واشهَاب واحمُر واشهُب فيمن قال: احمرٌ واشهبٌ، وتقول واغدودن الشعر والنبات إذا طال ونما: وقد أتت هذه اللغة في القرآن، قرأ ابن عباس: {ألا إنهم تثنوني صدورهم}.

وكل فعل رباعي فأول المستقبل منه مضموم، نحو دحرج يُدحرج. وأما أكرم يُكرم وأقام يُقيم فالألف وإن كانت زائدة فقد صارت كالأصلى لأنها ألفٌ قطع وتعدية، لا خلاف في ذلك إلا في حرف واحد وهو قولهم اسطاع يسطع، فزعم سيبويه والبصريون أن أصله أطاع يطيع والسين زائدة، قال الكوفيون أصله استطاع فأسقطوا التاء تخفيفا، فلما حذفت أشبه أطاع ففتحوا أوله كذلك، والعرب تقول طاع يطوع وطوع يُطوع وأطاع يُطيع واسطاع يُسطيع واستطاع يستطيع واسطاع يسطيع واستاع يستيع. كل ذلك قد جاء عنهم، وقد قرأ حمزة حرفاً نادراً وذكر الزجاج أنه لحنٌ وخطأٌ، وذلك قوله {فما اسطاعوا أن يظهروه} بإسكان السين وتشديد الطاء أراد استطاعوا، فأدغم التاءفي الطاء وهو صواب عندنا، لأنهم إذا أردوا بالمدغم الإظهار حسن الجمع بين ساكنين، كقول الله تعالى {وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} و {أمَّن لا يهدي إلى أن يهدى} بإسكان العين والهاء وكذلك قرأهما نافع. أراد تعتدوا ويهتدى، وكذلك لفظ النبي صلى الله عليه وسلم – (نعما المال الصالح للرجل الصالح) بإسكان العين ويقال يَهَدى ويَهِدي بكسر الياء والهاء وهي قراءة عاصم {أم من لا يِهِدي}.

وكل فعل من الصحيح على (أفعل يفعل) ففاء الفعل منه ساكنٌ إلا المعتل فإنه محركٌ نحو أقام يقيم وأراق يريق، الأصل ساكن، فغفلوا حركة العين إلى فائه، والأصل في يكرم يؤكرم، ولكنهم حذفوا الهمزة تخفيفاً، وكذلك أراق يريق إراقةً الأصل يؤريقه، فإذا قلبوا الهمزة هاء ثبتت ولم تحذف فقالوا هراق يهريق هراقةً، وهنرت الثوب أهنيره، هرحت الدابة أهريحها، يريدون أرقت وأنرت وأرحت. وقالوا أهرق يهرق إهراقاً، وقرئ {هِيَّاك نعبد} يريد إيَّاك،وقالوا أيهات وهيهات وقالوا: أهراق يهريق إهرياقاً، جعلوا الهاء عوضاً من حذف العين كالسين في اسطاع يستطيع اسطياعاً جعلوا السين عوضاً من ذهاب حركة الفعل. وكذلك حكم الهاء في أهراق يهريق، وإنما أبدلت الهاء من الهمزة في أرقت وأخواتها لخفائها وربما جمع بينهما فقالوا: أهرقت، فمن قال في المضارع أريق حذف همة التعدية لاجتماع الهمزتين همزة المضارعة وهمة التعدية وكان الأصل أأريق؛ لأنه ثلاثي من راق يروق إذا صفا، فأما من أثبت الهمزة فقال: أهريق فالهمزة همزة المضارعة والهاء بدل من همزة التعدية ووزن أهريق أهفعل، ووزن أهراق يهريق أهفعل يهفعل، ووزن استطاع يستطيع أسفعل يستفعل، وقيل: لا يمكن أن يطق به لاجتماع الساكنين وربما اضطر الشاعر فأجرى المعتل مجرى الصحيح.

كقول الشاعر:

صددت فأطولت الصدود وقلما … وصالٌ على طول الصدود يدوم

أراد فأطلت.
وقد جاء عن العرب أفعالٌ على أصلها، من ذلك قولهم: استنوق الجملواستتيست الشاة واستصوبت رأيك قال تعالى {استحوذ عليهم الشيطان} وأغالت المرأة وأغيلت، وأغامت السماء وأغيمت وغامت وغيمت وتغيمت، كل ذلك قد جاء.

وقد جاء في الفعل الماضي حروف على الأصل منها قولهم: لحجت عينه ومشش الفرس، وضبب البلد، وألل السقاء.

فأما قول الله تعالى: {قالوا اطيَّرنا بك} فالأصل تطيرنا أدغمت التاء في الطاء فسكنت فلقتها ألف الوصل.

فإن صرف الفعل على الإدغام قلت اطِّيَّر يطَّيَّر اطِّيَّاراً واطَّيُّرا فهو مُطَّيَّر ومثله قول الله تعالى: {حتى إذا ادَّراكوا فيها} وقوله {فادارءتم فيها} و {ومن يطَّوع خيراً} هذا كله أصله تدارك وتدارأ وتطوع.

وكل فعلٍ على (أفعل) فاسم الفاعل منه مفعل بكسر العين إلا أربعة أحرفٍ جاءت نوادر على مفعلٍ بفتح العين، وهي أحصن الرجل فهومحصنٌ، وألفج فهو ملفجٌ إذا أفلس، وأسهب في الكلام فهو مسهبٌ، وأسهم فهو مسهمٌ إذا أكثر، وأسهب أيضاً فهو مسهبٌ إذا لدغته الحية فذهب عقله، لا غير، وقالوا في لدغ الحية،: أسهب على فعل ما لم يسهم، فأما أسهب الرجل فهو مسهبً إذا كان فصيحاً فعلى أصله.

وقد جاء (أفعل) فهو (فعيلٌ) نحو أسمع فهو سميعٌ وآلم فهو أليمٌ، وقد جاء أفعل على فاعل نحو أعشب البلد فهو عاشب، وأمحل فهو ماحلٌ وأيفع الغلام فهو يافع. وقالوا: وفع ويفع ثلاث لغات، وأورس الدمث فهو وارس، وأبقل فهو باقل، وأغضى الليل فهو غاضٍ، وقالوا: مغضٍ. وقالوا أشصت الناقة فهي شصوصٌ على فعولٍ، وأمرت فهي مريُّإذا غزر لبنها، والقياس ممرٍ، وأغرى الله تعالى الشيء حسنه فهو غريٌّ، وأنبته الله فهو منبوت، وأجنَّه الله فهو مجنون، وأحزنه الله فهو محزون. وقالوا: حزنته وحببته وأحبه فهو محبوب، وأكزه فهو مكزوزٌ. وإنما كان هذا لأنهم يقولون في هذا كله فعل بغير ألف ثم بني عليه مفعولٌ، وإلا فلا وجه له إلا الشذوذ، وقالوا أعقدت العسل فهو معقدٌ وعقيدٌ، وأحبست فرساً فهو محبسٌ وحبيسٌ. فمفعلٌ على أصل الباب وفعيلٍ خارج عنه، وهذه كلها شواذ لا يقاس عليها.

ويجيء اسم الفاعل من (فعل) على (فعيل) نحو ظرف فهو ظريف إلا أنه قد جاء حرف واحد (هو) فره فهو فارهٌ بلا خلاف، وقد جاءت حروف فيها خلاف، طهر فهو طاهرٌ، والأكير طهر بالفتح، وكمل فهو كامل، وجاء فيه كمل وكمل ثلاث لغات. فأما قولهم رجل عليم وقدير من علم وقدر فإنما هو للمبالغة، كما قالوا في المدح علامة ونسَّابة، وحكى اللحياني جمل الرجل فهو جاملق وظرف فهو ظارفٌ، وقال أبو زيد: ليس هذا من كلام العرب، وحكى أيضاً رجل جمالٌ طراف بالتخفيف.

وأما قولهم حفرت احتفار وتطويت انطواءً فهو ضرورة جاءت في الشعر كنحو قول القطامي:

وخير الأمر ما استقبلت منه … وليس بأن تتبعه اتباعا

فإنما الصواب تتبعاً. واتباع مصدر اتبع، ولكن لما كان تتبع واتبع بمعنى، جاء أن يجعل مصدر أحد الفعلين لصاحبه.

فأما قول الله تعالى: {وتبتل إليه تبتيلا} وقوله: {فإني أعذبه عذاباً} وقوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} وقوله {والله أنبتكم من الأرض نباتا} ولم تبتلاً وتعذيباً وإقراضاً وإنباتاً، فقيل: وضع الاسم فيها موضع المصدر. وقيل معناه والله أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا وبتلتم تبتيلاً، وقرضت قرضا وغذبته عذباً وغذاباً أي منعته مما يريد. وكل ذلك حسن جميل كثير في كلامهم.

وقد يجيء المصدر من غير لفظ الفعل كقولهم: جاء زيد مر الريح، وجاء عمرو عدواً. وقولهم من كذب كان شراً له، معناه كان الكذب شراً له، فدل الفعل على مصدر محذوف، كما يدل المصدر على الفعل في قول الله تعالى {فضرب الرقاب} معناه اضربوا، وقرأ عيسى بن عمر {فصبراً جميلاً} أي اصبر صبراً، وتقول أقمته إقامة، فالهاء عوض من ذهاب الواو والأصل إقواماً. فإذا أضفت سقطت الهاء، قال الله تعالى {وإقام الصلاة} وقد جاء حرفٌ شاذ، قالوا أجبته إجابةً وإجاباً بغير هاء وهو غريب، وأجبته جواباً وجابة وحيبى، وما أحسن جيبته، كل ذلك قد جاء. ويقال أطاع الرجل إطاعةٌ وطاعة، وأجاب إجابةً وجابة، وأغار إغارةً وغارةً، وأجار إجارةً وجارةً، وأقام إقامة لا يوجد على مثالهن. ولم يجئ من ذوات الواو مفعول على الأصل إلا في حرفين، قولهم: مسك مدووفٌ وخاتمٌ مصووغٌ، والأحسن مدوفٌ، ومصوغٌ.

فأما من ذوات الياء فيجيء كثيراً نحو بسرةٌ مطيوبةٌ، وطعام مكيولٌ ومكيلٌ ومبيوعٌ ومبيعٌ. ومن الشواذ قولهم: جبن الرجل بفتح الماضي فهو جبان.

وقد جاء المفعول على فعلٍ، قالوا: درهم ضرب الأمير، وهذا خلق الله، أي مضروب الأمير ومخلوق الله، وقالوا أدنف الرجل صار دنفاً، وقالوا دنف وأُدنف.

ومن الشواذ مصدر أفعل على تفعيل قرأ ابن مسعود {وأنزل الملائكة تنزيلاً} وقيل أنزل ونزل بمعنىً، ومنها قول الشاعر.

* ولو شئنا تعاوزنا عواذا *

المصدر: أبنية الأسماء والأفعال والمصادر

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام