أحكام العدد وأخطاؤه (2)


الشكوى من باب العدد قديمة، والخطأ في ضبط قواعده شائع، وقديمًا قال أبو جعفر النحاس المصري “القرن الرابع الهجري”: وقد شكا الكُتاب فيما مضى أرغب الناس في علم النحو، وأكثرهم تعظيمًا للعلماء حتى دخل فيهم من لا يستحق هذا الاسم، فصعب عليه باب العدد، فعابوا من أعرب الحساب.

ثانيا: أخطاء العدد
تكثر أخطاء العدد في لغة الإعلام بصورة لافتة للنظر، وبخاصة بالنسبة للإعلام المسموع حيث يتأثر نطق كثير من المذيعين بنطقه العامي، فينطق عشرين “عشين” وثلاثة عشر: “تلتاشر” ومائة: “مِيَّه” ومئتين: “متين” وهكذا.
وإذا كان يمكن التجاوز عن هذا بالنسبة لقارئي النشرة الجوية أو أسعار العملات من غير المذيعين، فإنه لا يمكن قبوله من قارئي النشرات الإخبارية حتى لو أسندت إليه قراءة النشرة الجوية أو أسعار العملات. ولعل فيما اقترحته في الفصل الأول من الكتاب من كتابة جميع الأعداد بالحروف -لا بالأرقام- ما يخفف من آثار هذا الانحراف.


أما الأخطاء الأخرى التي يكثر ترددها في لغة الإعلام فأهمها:
أ- العدد ثمان:
يسبب العدد “ثمان” مشكلتين لمستعمله، سواء جاء مفردًا أو مع غيره، وحل هاتين المشكلتين أمر سهل إذا علمنا أنه في صيغته المذكرة “ثمان” يعامل معاملة المنقوص فيكون إعرابه في حالتي الرفع والجر -إذا لم يكن مضافًا- بحركة مقدرة على الياء المحذوفة، ويلزم النون تنوين العوض، وبالحركة المقدرة على الياء المذكورة. إذا كان مضافًا. وفي حالة النصب ينصب بفتحة ظاهرة. وللقارئ في هذه الحالة أن يصرف العدد فينونه قائلا “ثمانيا”[1] وهو الأصل، أو منعه من التصرف فيفتح ياءه دون تنوين قائلا: “ثماني”[2].
والأمثلة الآتية تبين وجهي الخطأ في استعمال هذا العدد:

1- العدد “ثمان” في حالتي الرفع والجر:

2- العدد “ثمان” في حالة النصب:

ب- العدد “اثنين”:
من المعروف أن العرب لا تستعمل العدد اثنين مفردًا، وإنما تستعمله مركبًا، أو معطوفًا، وإذا أرادت أن تعبر عنه استخدمت لفظ المثنى من التمييز نفسه. ولكن كثيرًا من الإعلاميين يستخدمون هذا العدد خلافًا لذلك كما يبدو من الأمثلة الآتية:

ج- الخطأ في تمييز العدد:
يشمل هذا الخطأ ثلاثة أنواع من الانحراف هي:

1- الخطأ في صياغة التمييز، كما يبدو من الأمثلة الآتية:

2- الخطأ في ضبط التمييز، كما يبدو من الأمثلة الآتية:

3- الخطأ في ضبط التمييز حين يتحول إلى البدل:

كما في قول مرفت نجم: “وهم ثلاثةٌ أردنيين، وخمسةٌ فلسطينيين”، والصواب رفع ما بعد العدد[3].

د- الخطأ في تذكير العدد وتأنيثه:
لاحظت وجود أمثلة مخالفة لقاعدة التذكير والتأنيث…

هـ- أخطاء الوصف من العدد المركب:
الوصف من العدد المركب “من 11- 19” تحكمه قاعدتان هما:
1- البناء على فتح الجزأين.
2- مطابقة المعدود تذكيرًا وتأنيثًا.
وقد لاحظت الخروج على هاتين القاعدتين في لغة الإعلام.
وأما الخروج على القاعدة فتمثله الجملتان الآتيتان:
1- كان في السابعة عشر من عمره حينما …، والصواب: في السابعة عشرة “على تقدير في السنة السابعة عشرة”.
2- الحلقة الثالثة عشر، والصواب: الثالثة عشرة.
و الواحد والحادي:
حينما تريد العد تقول: واحد، اثنان، ثلاثة … أحد عشر، اثنا عشر، ثلاثة عشر، واحد وعشرون، اثنان وعشرون … إلخ.
أما إذا أردت أخذ الوصف من العدد فأنت تقول: الأول، الثاني، الثالث.. الحادي عشر، الثاني عشر، الثالث عشر … الحادي والعشرون، الثاني والعشرون … إلخ.

والذي يهمنا هنا العدد: واحد وعشرون، ومؤنثه: واحدة وعشرون، والوصف منهما: الحادي والعشرون، والحادية والعشرون.
فكثير من رجال الإعلام لا يفرقون بينهما في الاستعمال، فيضعون الواحد مكان الحادي، والواحدة مكان الحادية، ولكن الفرق بينهما يظهر في مثل قولنا:
جاء ترتيبه الحادي والعشرين.
نجح الواحد والعشرون طالبًا.
فالجملة الأولى تتحدث عن شخص واحد جاءت رتبته بعد العشرين.
والجملة الثانية تتحدث عن واحد وعشرين شخصًا.
وكذلك قولنا:
أطلقْ سراح الواحد والعشرين معتقلا.
أطلقْ سراح المعتقل الحادي والعشرين.
فالجملة الأولى تأمر بالإفراج عن واحد وعشرين معتقلا.
أما الثانية فتأمر بالإفراج عن معتقل واحد.
ولهذا لو قدمنا التمييز في الجملة الأولى لقلنا: عن المعتقلين الواحد والعشرين.


وعلى هذا يظهر خطأ الجملتين الآتيتين المأخوذتين من لغة الإعلام:

ز- الثاني والآخِر:
يستعمل الثاني فيما يليه ثالث ورابع … و “الآخِر” فيما لا يتبعه شيء، ولهذا قيل في صفاته تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِر} ولم يقل: والثاني: لأنه ليس بعده تعالى شيء.
وعلى هذا يتبين خطأ ما هو شائع في لغة الإعلام من قولهم: ربيع الثاني، وجمادى الثانية، ويتبين أن الصواب: ربيع الآخِر، وجمادى الآخِرة.

ح- النسب إلى ألفاظ العقود وجمعها:
يجوز النسب إلى ألفاظ العقود فيقال: العيد الخمسيني، والذكرى الأربعينية، وقد أجاز مجمع اللغة العربية بالقاهرة جمع ألفاظ العقود بالألف والتاء إذا ألحقت بها ياء النسب، فيقال مثلا ثلاثينيات[4]، وأربعينيات ونحوهما. ومنع الجمع أن يقال في هذا المعنى: ثلاثينات بغير ياء النسب[5]. وعلى هذا يظهر خطأ من يقول من رجال الإعلام:
ولد في العشرينات من هذا القرن.
ونحن الآن على أبواب التعسينات “قبل دخول عام 1990”. فالصواب أن يقول:
في العشرينيات … على أبواب التسعينيات.


ط- بضع وبضعة:
يأخذ هذان اللفظان حكم العدد من ثلاثة إلى عشرة فيستخدم اللفظ المذكر للمعدود المؤنث، والمؤنث للمعدود المذكر. وعلى هذا يظهر خطأ من قال من رجال الإعلام:
أسلم الروح بعد بضعة ليال، والصواب:
“بعد بضع ليال” لأن مفرد “ليال”: “ليلة” فيستخدم معها لفظ “بضع” المذكر.


ي- معنى العقد:
العقد كل عشر سنوات، فيقال العقد الأول من 1- 10 والعقد الثاني من 11- 20 والعقد الثالث من 21- 30.. وهكذا. وعلى هذا يتبين الخطأ في عنوان الأهرام 28/ 12/ 1990: “العثور على جثة سيدة في العقد الثالث من عمرها. حيث ذكر الأهرام بعد ذلك أن عمر السيدة 34 سنة، فهي إذن في العقد الرابع، لا الثالث. وكان يمكن لكاتب “الأهرام” أن يقول كذلك: في الثلاثينيات من عمرها.

 

المصدر: أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتّاب والإذاعيين

 


[1] حينما يكون العدد 8 غير مضاف.

[2] قال ابن سيده: منعوها من الصرف لشبهها بجواري لفظا لا معنى.

[3] يرفع إما على البدل أو عطف البيان. وقد جاء عليه قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} . حيث أعرب النحاة سنين بدلا أو بيانا. ولا يصح جرها على الإضافة في هذه الحالة، نظرا لتنوين العدد.

[4] قال المجمع: ويدل اللفظ حينئذ على الحادي والثلاثين إلى التاسع والثلاثين “وأرى أن الأصح أن يقال: على الثلاثين إلى التاسع والثلاثين”، وإلا فأين توضع الثلاثين؟

[5] كتاب الألفاظ والأساليب ص84.

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق