كتبه: الشيخ محمد الطنطاوي
المحقق: أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل

‌‌طبقات البصريين السبع (3)

‌‌الطبقة الثالثة:

1- الأخفش الأكبر[1]: هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس بن ثعلبة، من أهل هجر أول الأخافشة الثلاثة المشهورين، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وطبقته، ولقي الأعراب فأخذ عنهم.

 

قال الرضي: في شرحه على الكافية باب أسماء الأفعال المنقولة من الظروف: “وسمع أبو الخطاب من قيل له: إليك فقال إلي” وتوفى سنة ١٧٧هـ[2].

 

2- الخليل بن أحمد: هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، الأزدي، ولد بالبصرة، وشب على حب العلم، فتلقى عن أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهما، ثم ساح في بوادي الجزيرة العربية، وشافه الأعراب في الحجاز ونجد وتهامة، إلى أن ملأ جعبته ثم آب إلى مسقط رأسه البصرة، واعتكف في داره دائبا على العلم ليله ونهاره هائما بلذته الروحية، فنبغ في العربية نبوغا لم يسبق إليه، وبلغ الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو.

 

قال الزبيدي: “وهو الذي بسط النحو ومد أطنابه، وسبب علله، وفتق معانيه، وأوضح الحِجاجَ فيه، حتى بلغ أقصى حدوده وانتهى إلى أبعد غاياته، ثم لم يرض أن يؤلف فيه حرفا أو يرسم منه رسما ترفعا بنفسه وترفعا بقدره إذ كان قد تقدم إلى القول عليه والتأليف فيه، فكره أن يكون لمن تقدمه تاليا، وعلى نظر من سبقه محتذيا، واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه، ولقنه من دقائق نظره، ونتائج فكره ولطائف حكمته، فحمل سيبويه ذلك عنه، وتقلده وألف فيه الكتاب الذي أعجز من تقدم قبله، كما امتنع على من تأخر بعده”[3].

 

وقال السيوطي: “كان أعلم الناس وأذكاهم، وأفضل الناس وأتقاهم”، وقال محمد بن سلام: “سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع”[4]. فلا غرو أنه لولا تعهد الخليل النحو في نشأته لبعد عنه طور النضوج والكمال، فللخليل فضل النهوض به كما لأبي الأسود فضل تكوينه، نعم قد اتفقت كلمة العلماء على أن الخليل واضع فن الموسيقى العربية، وواضع علم العروض والقافية، وأول من دون معجما في اللغة بتأليفه “كتاب العين” وله بعدئذ مأثرة الشكل العربي المستعمل الآن، وله مؤلفات أخرى في غير اللغة أيضا.

 

كان رحمه الله في فاقة وزهد لا يبالي الدنيا، بينما الناس محظوظون بها من علمه وكتبه، وجه إليه سليمان بن علي عم أبي العباس السفاح والي فارس والأهواز رسولا لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى الرسول خبزا يابسا وقال: ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان، فقال الرسول: فما أبلغه عنك؟ فقال أبياتا مطلعها:

أبلغ سليمان أني عنه في سعة … وفي غنى غير أني لست ذا مال

 

توفي رحمه الله بالبصرة، متأثرا بصدمة في دماغه من سارية سنة ١٧٥هـ على الأصح [5].

 

3- يونس: هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبي مولى بني ضبة، أخذ عن أبي عمرو وغيره، وواجه العرب فسمع منهم حتى غدا مرجع الأدباء والنحويين في المشكلات، وكانت له حلقة دراسة في المسجد الجامع بالبصرة يؤمها العلماء والأدباء وفصحاء الأعراب، وله مذاهب خاصة في النحو، منتشرة في كتبه، من ذلك قول سيبويه في باب ما يتقدم فيه المستثني: “وحدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: “مالي إلا أبوك أحد” فيجعلون أحدا بدلا، كما قالوا: ما مررت بمثله أحد فجعلوه بدلا”، وقول الرضي في الكلام على “ما” الحجازية: “ونقل عن يونس أنه يجوز إعمالها مع انتقاض نفيها بإلا” وله مصنفات كثيرة في غير النحو، قضى حياته ولم يتزوج ولم يتسر، وأخباره مستفيضة في كتب التراجم، توفي بالبصرة سنة ١٨٢هـ.

 

المصدر: نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة

 


[1] الأكبر المذكور والأخفش الأوسط هو: أبو الحسن سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه مات سنة عشر ومائتين وقيل بعدها والثالث الأخفش الأصغر أبو الحسن علي بن سليمان من تلامذة المبرد وثعلب مات سنة خمس عشرة وثلثمائة والرابع أحمد بن عمران بن سلامة الألهاني مصنف غريب الموطأ مات قبل الخمسين ومائتين والخامس أحمد بن محمد الموصلي أحد شيوخ ابن جني مصنف كتاب تعليل القراءات السبع والسادس خلف بن عمرو اليشكري البنسي مات بعد الستين وأربعمائة والسابع عبد الله بن محمد البغدادي من أصحاب الأصمعي والثامن عبد العزيز بن أحمد الأندلسي من مشايخ ابن عبد البر والتاسع علي بن محمد الإدريسي مات بعد الخمسين وأربعمائة والعاشر علي بن إسماعيل بن رجاء العاطمي والحادي عشر هارون بن موسى بن شريك القارئ مات سنة إحدى وسبعين ومائتين.

[2] قال صاحب النجوم الزاهرة: هو شيخ العربية أخذ عنه سيبويه ولولا سيبويه لما كان يعرف فإن الأخفش الأوسط الذي أخذ عن سيبويه أيضا هو المشهور. ولأبي الخطاب الأخفش هذا أشياء غريبة ينفرد بها عن العرب.

وفي المزهر: وأبو الخطاب أول من فسر الشعر تحت كل بيت وما كان الناس يعرفون ذلك قبله وإنما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها.

[3] أول كتابه: استدراك الغلط الواقع في كتاب العين، ونقل هذا الكلام في المزهر النوع الأول المسألة السادسة عشرة.

[4] المزهر “النوع الرابع والأربعون”.

[5] اضطربت الآراء في تاريخ وفاة الخليل بن أحمد ما بين سنة ١٣٠، ١٧٥ وقال صاحب النجوم الزاهرة والأصح أنه توفي سنة ١٦٣.

ترك تعليق