وجوه الرفع (1)

كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة

وجوه الرفع (1)

وَالرَّفْع أحد وَعِشْرُونَ وَجها:

الْفَاعِل وَمَا لم يذكر فَاعله والمبتدأ وَخَبره وَاسم كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَخبر إِن وَمَا بعد مذ والنداء الْمُفْرد وَخبر الصّفة وفقدان الناصب وَالْحمل على الْموضع وَالْبَيِّنَة والحكاية وَالتَّحْقِيق وَخبر الَّذِي وَمن وَمَا وَحَتَّى إِذا كَانَ الْفِعْل وَاقعا وَالْقسم وَالصرْف وَالْفِعْل المستأنف وشكل النَّفْي وَالرَّفْع بهل وَأَخَوَاتهَا.

 

وعلامة الرّفْع سِتَّة أَشْيَاء الضمة وَالْوَاو والفتحة وَالْألف وَالنُّون والسكون فالضم عبد الله وَزيد وَالْوَاو أَخُوك وَأَبُوك والفتحة عبدا الله فِي الِاثْنَيْنِ وَالْألف فِي قَوْلهم الزيدان والعمران وَالنُّون فِي يقومان ويقومون والسكون فِي يَرْمِي وَيَقْضِي ويغزو ويخشى.

 

‌‌فالرفع بالفاعل

قَوْلك خرج زيد وَقَامَ عَمْرو

 

‌‌ وَمَا لم يذكر فَاعله

ضرب زيد وكسي عَمْرو

 

‌‌ والمبتدأ وَخَبره

زيد خَارج وَالْمَرْأَة منطلقة رفعت زيدا بِالِابْتِدَاءِ وَرفعت خَارِجا لِأَنَّهُ خبر الِابْتِدَاء

 

‌‌ وَاسم كَانَ وَأَخَوَاتهَا

تَقول كَانَ عبد الله شاخصا رفعت عبد الله ب كَانَ ونصبت شاخصا لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَلَا بُد ل كَانَ من خبر وَقد يَجْعَل كَانَ فِي معنى يكون وَمِنْه قَول الله تَعَالَى فِي ﴿ سَأَلَ سَائل ﴾ ﴿ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة ﴾.

 

وَالْمعْنَى يكون قَالَ الشَّاعِر

(فَإِنِّي لآتيكم بشكري مَا مضى … من الْعرف واستيجاب مَا كَانَ فِي غَد)

 

وَالْمعْنَى يكون فِي غَد

وَقد يرفعون ب كَانَ الِاسْم وَالْخَبَر فَيَقُولُونَ كَانَ زيد قَائِم وَقَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك

(إِذا مَا الْمَرْء كَانَ أَبوهُ عبس … فحسبك مَا تُرِيدُ من الْكَلَام)

 

رفع الْأَب على الِابْتِدَاء وَعَبس خَبره وَلم يعبأ ب كَانَ وَقل آخر

(إِذا مت كَانَ النَّاس صنفان شامت … وَآخر مثن بِالَّذِي كنت أصنع)

 

وَقَالَ آخر

(وَهِي الشِّفَاء لدائي لَو ظَفرت بهَا … وَلَيْسَ مِنْهَا شِفَاء الدَّاء مبذول)

فكأنهم قَالُوا كَانَ الْأَمر والقصة النَّاس صنفان وشفاء الدَّاء مبذول وَمَا أشبه ذَلِك وَإِذا عدوها إِلَى مفعول قَالُوا كنت زيدا وكانني زيد فَهَذَا مثل ضربت زيدا وضربني زيد وَقَالُوا فِي مثل إِذا لم تكنهم فَمن ذَا يكونهم.

 

قَالَ الشَّاعِر

(فَإِن لم يكنها أوتكنه فَإِنَّهُ … أَخُوهَا غذته أمه بلبانها)

 

وَرُبمَا جعلُوا النكرَة اسْما والمعرفة خَبرا فَيَقُولُونَ كَانَ رجل عمرا إِلَّا أَن النكرَة أَشد تمَكنا من الْمعرفَة لِأَن أصل الْأَشْيَاء نكرَة وَيدخل عَلَيْهَا التَّعْرِيف وَالْوَجْه أَن تجْعَل الْمعرفَة اسْما والنكرة خَبرا قَالَ الْقطَامِي

(قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضباعا … وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا)

 

وَقَالَ آخر

(فَإنَّك لَا تبالي بعد حول … أظبي كَانَ أمك أم حمَار)

 

وَقَالَ آخر

(أَلا من مبلغ حسان عني … أطب كَانَ ذَلِك أم جُنُون)

 

وَقَالَ آخر

(كَأَن سلافة من بَيت رَأس … يكون مزاجها عسل وَمَاء)

 

وَقَالَ الفرزدق

(أسكران كَانَ ابْن المراغة إِذْ هجا … تميما بجوف الشَّام أم متساكر)

 

جعل الْمعرفَة خَبرا والنكرة اسْما

وَيُقَال كَانَ الْقَوْم صَحِيح أبوهم وَأصْبح الْقَوْم صَحِيح ومريض وَالْوَجْه صَحِيحا ومريضا النصب على خبر كَانَ وَالرَّفْع على معنى مِنْهُم صَحِيح وَمِنْهُم مَرِيض قَالَ الشَّاعِر

(فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم … قَتِيل ومكتوف الْيَدَيْنِ ومزعف)

وَالْمعْنَى فَأصْبح شريدهم فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا مِنْهُم قَتِيل وَمِنْهُم مكتوف الْيَدَيْنِ وَمِنْهُم مزعف

 

وَمثله:

(فَلَا تجعلي ضَيْفِي ضيف مقرب … وَأخر مَعْزُول عَن الْبَيْت جَانب)

كَأَنَّهُ قَالَ لَا تجعلي ضَيْفِي أَحدهمَا ضيف مقرب وَآخر مَعْزُول

 

وَقد يكون كَانَ فِي معنى جَاءَ وَخلق الله قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى فِي الْبَقَرَة ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عسرة ﴾ أَي وَإِن جَاءَ ذُو عسرة

 

قَالَ الشَّاعِر

(إِذا كَانَ الشتَاء فأدفئوني … فَإِن الشَّيْخ يهدمه الشتَاء)

أَي إِذا جَاءَ الشتَاء

 

قَالَ الشَّاعِر

(فدى لبني ذهل بن شَيبَان نَاقَتي … إِذا كَانَ يَوْم ذُو كواكب أَشهب)

أَي إِذا وَقع

 

وَأما قَول عنترة

(بني أَسد هَل تعلمُونَ بلاءنا … إِذا كَانَ يَوْمًا ذَا كَوْكَب أشنعا)

 

فَإِنَّهُ أَرَادَ إِذا كَانَ الْيَوْم يَوْمًا ذَا كواكب قَالَ الله عز وَجل فِي سُورَة النِّسَاء ﴿ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة ﴾ وَالْمعْنَى إِلَّا أَن تقع تِجَارَة وَمن قَرَأَ ﴿ تِجَارَة ﴾ فَالْمَعْنى إِلَّا أَن تكون التِّجَارَة تِجَارَة وَقَالَ لبيد بن ربيعَة

فَمضى وقدمها وَكَانَت عَادَة … مِنْهُ إِذا هِيَ عردت أَقْدَامهَا)

مَعْنَاهُ الْعَادة عَادَة وَإِن كَانَ إقدامها عَادَة فَقدم وَأخر

 

وَتقول كَيفَ تكلم من كَانَ غَائِب أَي من هُوَ غَائِب قَالَ الله عز وَجل فِي سُورَة مَرْيَم ﴿ كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا ﴾ أَي من هُوَ فِي المهد وَنصب صَبيا على الْحَال.

وَتقول مَرَرْت بِقوم كَانُوا كرام ألغيت كَانَ وَأَرَدْت مَرَرْت بِقوم كرام قَالَ الفرزدق

فَكيف إِذا أتيت ديار قوم … وجيران لنا كَانُوا كرام

 

وَأما قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ فِي سُورَة آل عمرَان ﴿ كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس ﴾ فَالْمَعْنى أَنْتُم خير أمة وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ كونُوا خير أمه وَهُوَ أصح مِمَّا فسره الْمُفَسِّرُونَ.

وَأما قَوْلهم الْحَرْب أول مَا تكون فتية أَي الْحَرْب أول أحوالها إِذا كَانَت فتية قَالَ الشَّاعِر

(الْحَرْب أول مَا تكون فتية … تسْعَى بزينتها لكل جهول)

 

وَقَالُوا لَيْسَ الْقَوْم ذَاهِبين وَلَا مُقيما أبوهم نصب مُقيما على الْبَدَل قَالَ الشَّاعِر

(مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرة … وَلَا ناعبا إِلَّا ببين غرابها)

نصب ناعبا على الْبَدَل من خبر لَيْسَ

 

فَإِن قلت كَانَ عبد الله أَبوهُ قَائِما رفعت عبد الله ب كَانَ وَرفعت أَبَاهُ على الْبَدَل من اسْم كَانَ قَالَ الشَّاعِر

(فَمَا كَانَ قيس هلكه هلك وَاحِد … وَلكنه بُنيان قوم تهدما)

رفع هلك الثَّانِي على الْبَدَل وَإِن نصب على الْخَبَر جَازَ

 

ويرفعون مَا كَانَ أهم إِلَيْهِم لَا يبالون اسْما كَانَ أم خَبرا إِذا جَعَلُوهُ اسْما قَالَ الشَّاعِر

(وَكُنَّا الأيمنين إِذا الْتَقَيْنَا … وَكَانَ الأيسرين بند أَبينَا)

 

وَقَالَ آخر

(لقد علم الأقوام مَا كَانَ داءها … بثهلان إِلَّا الخزي مِمَّن يَقُودهَا)

 

جعل الخزي اسْما وداءها خَبرا قَالَ الله عز وَجل ﴿ وَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا أخرجوهم من قريتكم ﴾ وَجَوَاب ينصب وَيرْفَع على مَا فسرته لَك وَمثله ﴿ فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار ﴾ ترفع عاقبتهما وتنصب

ترك تعليق