‌‌مسألة [٢٦] إضمار الفعل المستعمل إظهاره

 

ومن ذلك قوله في باب ترجمته: هذا باب ما جرى من الأمر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره، قال: (واعلم أنه لا يجوز أن تقول: زيد، وأنت تريد ليضرب زيد، أو ليضرب زيد إذا كان فاعلا، ولا يجوز زيد عمرا، إذا كانت لا تخاطب زيدا، إذا أردت ليضرب زيد عمرا، وأنت تخاطبني، فإنما تريد أن أبلغه أنا عنك)

قال محمد: فاعتل في منع هذا بعلتين:

إحداهما مخافة الالتباس، قال: يرى المخاطب أنك تعنيه بالأمر، وإنما الأمر للغائب، وهذا لا يتوهمه المخاطب، من قبل أن المخاطب، إذا أمر فإنما يقال له: زيدا وما أشبهه، فإذا قيل له: زيد عمرا، علم أن هذا المرتفع ليس “مما” يؤمر هو فيه ولا له إليه سبيل، فإما يكون اللبس إذا استوى فيهما اللفظان، ولكن الحجة في منع هذا ما قال في الباب الذي بعد هذا الباب، وهو قوله: إنك متى قلت: زيد عمرا، فإنما أردت مره وقل له: ليضرب زيد عمرا، فلم يحتمل الضمير أن يضمر فيه فعل للمخاطب وفعل للغائب فيضمر فعلين، وإنما جاز إضمار أحدهما حيث كان في الكلام ما دل عليه فكان بمنزلة المضمر.

قال أحمد: أما قوله: اعتل في منع هذا بعلتين:

إحداهما الالتباس، فليس الأمر كما ذهب إليه ولا القول ما حكاه، وإنما اعتل بالالتباس لمسألة ذكرها بعقب هذه المسألة، وحذفها محمد وجعل العلتين للمسألة الأولى، فمن ها هنا غلط، وذلك أن سيبويه قال في إثر هذه المسألة: (وكذلك لا يجوز زيدا، وأنت تريد أن أبلغه أنا عنك أن يضرب زيدا، لأنك إذا أضمرت الغائب ظن السامع الشاهد أنك تأمره هو بزيد، فكرهوا الالتباس ها هنا، فهذا نص قول سيبويه، وإنما أراد بالالتباس في هذه المسألة التي تنصب فيها زيدا، لأنك إذا قلت: زيدا، ظن /٣٨ المخاطب أنك تأمره، واستوى لفظه ولفظ الغائب إذا أمرت المخاطب أن يبلغه عنك الأمر بضرب زيد، لأنك إذا أضمرت فعل المخاطب فالاسم لا محالة منصوب، وإذا أضمرت فعل الغائب فالاسم بعده يكون مرفوعا ومنصوبا، والعلة “في ذلك” أنك إذا أضمرت فعل المخاطب فالفاعل مضمر معه على كل حال، ولم يكن الاسم المذكور إلا مفعولا، وفعل الغائب فقد تضمره دون الفاعل وتذكر الفاعل مرفوعا.

المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد