توزيع اللغات وعلم اللغة الجغرافي


من أهم الدراسات التطبيقية العلمية لعلم اللغة معرفة اللغات الإنسانية -ولو الرئيسي منها- وتوزيعها على أجزاء الكرة الأرضية، والعلم بعدد المتكلمين بكل منها، ونوع من يتكلمون بها، وفي أي نمط من الحياة يمكن أن تستعمل، وكيف -إذا تيسر ذلك- يمكن أن تتراجع لغة أمام لغة أخرى، وبخاصة ما كان منها مشهورا، وراء هذه المعلومات ذات الطابع العام -التي تجمع بين الدراسة الجغرافية واللغوية- يمكن السؤال الخاص بالتعرف اللغوي
languageidentification وهذا يتطلب معرفة أولية بأشكال اللغات في صورتها المكتوبة، وكذلك بمعالمها الصوتية الأساسية في صورتها المتكلمة، حتى يمكن تمييز كل منها عن الأخرى بواسطة التعرف المسبق.


وإن معلومات تفصيلية -إلى حد ما- من هذا النوع تمثل جزءا من أسلحة المتخصصين اللغويين وخبراتهم. وعلاوة على ذلك فإن الحقائق المؤكدة الخاصة بتوزيع اللغات في العالم والأهمية النسبية للغات الرئيسية منها، يجب، بل ويمكن أن يجعل معروفا لكل الأفراد المثقفين أو المتعلمين حتى من لم يتخصص منهم في الدراسات اللغوية، وهذا القدر من المعلومات، الذي يعد ذا أهمية عملية كبيرة لغير المتخصصين، أكثر من أهميته للغويين الوصفيين أو التاريخيين، يمكن أن ترد أبحاثه -ولو من الناحية الظاهرة على الأقل- إلى كلا النظامين الرئيسيين في الدراسة اللغوية “النظام الوصفي والنظام التاريخي” علم اللغة الوصفي يهتم أساسا بالحقائق التركيبية المشتركة في مجموع اللغة أو اللغات. وفي إيضاحه للأسس اللغوية العامة ينزل في بعض الأحيان -وبقصد التمثيل- إلى اللغة المفردة.


وحينما يصف لغة ما بشيء من التفصيل، يعزل هذه اللغة عادة ليتمكن من التركيز على بعض الحقائق الخاصة بها، ووضعها جنبا إلى جنب مع الأسس العامة للغة، أما الدراسة اللغوية التاريخية فتركز -من الناحية الأخرى- على تطور اللغة أو اللغات عبر السنين والصور العادية للمقارنة التي تلجأ إليها، تأخذشكل دراسة لمرحلتين أو أكثر من مراحل لغة واحدة، أو لغتين كانتا في الأصل لغة واحدة، ولا توجه اهتماما كبيرا لمقارنة لغات حديثة في صورتها الحالية.


وعلم اللغة الجغرافي
Geolinguistics يغطي -بشيء من التفصيل- الوضع الحالي للغات العالم، عاقدا المقارنة بينها على ضوء العوامل الموضوعية الحديثة مثل عدد المتكلمين، والتوزيع الجغرافي، واحتمالات الاستفادة منها، وأهميتها التجاربة والعلمية والسياسية والاستراتيجية والثقافية في إطار عالمنا الذي نعيش فيه.


ومن بين أبحاثه دراسة عوامل مثل: اللغات المحلية
arealanguages ومجالات النفوذ اللغوي، واللغات الوطنية indigenous, والاستعمارية colonial أو superimposed، مع تتبع نفوذ الأخيرة على الأولى حتى بعد زوال الاستعمار. وكذلك دراسة موضوع اللغات الأولية primary والثانوية secondary في منطقة معينة، وما يترتب على ذلك من ثنائية اللغة bilingualism، أو تعددها multilingualism. ويعطي اهتماما أيضا لموضوع إحلال لغة محل أخرى substitution وموضوع اللغات الناشئة من الهجرة أو التجنس، ومن مباحثه كذلك موضوع انتشار اللغات التي تكونت بطريق الانتخاب المتعمد من مجموعة من اللهجات الإقليمة ثم حلت محلهاkoines، وغير ذلك من اللغات ذات العلاقات المشتركة مع غيرها “مثل تلك اللغات التي توضع للتفاهم بين الأقاليم المتجاورة بنحو مبسط وكلمات مختلطة pidgins أو تلك اللغات التي تتولد عن لغة وتتميز ببساطة تركيبها creoles, أو تلك اللغة التي يتعمد تغيرها من ناحية الهجاء أو النطق أو القواعد النحوية بقصد تيسيرها على المتعلمين  modified languageكذلك يعطي اهتماما للمركز الاجتماعي أو التربوي “لغة رسمية officiallanguage، لغة وطنية nationallanguage، لغة أدبية  literarylanguageلهجة dialect, لهجة شائعة بين أفراد الطبقة الدنيا في المجتمع patois، لغة طبقية classlanguage مجموعة من الكلمات أو التعبيرات أو المصطلحاتالخاصة بمهنة أو جماعة معينة jargon، لهجة عامية siang“. ويهتم إلى جانب هذا كله بمعامل معرفة القراءة والكتابة literacycoefficient الذي يوضح مجالات اللغة المكتوبة، وبالمعاملين الوطني nationalisticcoefficient والديني liturgical اللذين يؤثران في حياة لغة ما، ومدى فاعليتها. وأخيرا يعطي اهتماما لمشكلة التعايش السلمي بين لغتين “أو أكثر” في مكان واحد، symbiosis أو احتكاكهما وتبادل التأثير والتأثر بينهما “لإيضاح بعض هذه المصطلحات ارجع إلى المبحث رقم 37 المعنون: وظيفة علم اللغة الجغرافي”.

المصدر: أسس علم اللغة

ترك تعليق