أخطاء النسب وتجوّزاته (2) [1]

 

ب- النسب إلى الجمع على لفظه:

من المألوف في لغة المعاصرين النسب إلى بعض جموع التكسير[2] على لفظها مثل أُمَمِيّ، ودُوَلِيّ وصُحُفِيّ، وكُتُبي، وغير ذلك.


ويُخطِّئ الكثيرون هذا مستندين إلى رأي البصريين الذين يُحتِّمون رد الجمع إلى مفرده أولا، ثم النسب إلى المفرد.

 

 

والأولى في هذا اتباع رأي الكوفيين الذي يسمح بالنسبة إلى الجمع على لفظه؛ لأن هذا يفتح بابًا للتوسع يفيد ولا يضر. وقد تبنى هذا الرأي مجمع اللغة العربية بالقاهرة حين نص في أحد قراراته على ما يأتي: “يرى المجمع أن ينسب إلى لفظ الجمع عند الحاجة كإرادة التمييز أو نحو ذلك”.


ويرى الدكتور مصطفى جواد وجوب النسب إلى الجمع إذا أريدت الدلالة على الاشتراك الجمعي، وتكون النسبة إلى المفرد في رأيه خطأ حينئذ. وهو اتجاه سليم؛ لأنه يفرق بين الدُّوَلي المنسوب إلى مجموعة الدُّوَل مثل: “مجلس الأمن الدُّوَليّ”، و “البنك الدُّوَليّ” والدَّوْليّ المنسوب إلى الدولة الواحدة مثل مطار القاهرة الدَّوْليّ.


وهناك أمثلة كثيرة نسب العرب فيها إلى الجمع مثل رجل شعوبي، وعالم أصولي، ورجل أخباري، كما وردت النسبة إلى الجمع كذلك في تعبيرات المشهورين من الأدباء والفصحاء، مثل الجاحظ الذي قال في كتابه الحيوان: “إن سهره بالليل، ونومه بالنهار خصلة ملوكية”، وسمى ابن جني كتابًا له: “التصريف الملوكي”[3].


ج- النسب بزيادة الألف والنون:

يتردد كثيرًا في لغة المعاصرين كلماتٌ منسوبة بزيادة الألف والنون، مثل: “طبيب نفساني” و “عالم روحاني”، و “اتجاه علماني” و “تفكير عقلاني”. كما يتردد في لغة النقد الأدبي كلمات مثل: “الشكلانية” و “الفردانية”.

 

 

وممن خطأ مثل هذه النسبة محمد العدناني في معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، بحجة أن الوارد في اللغة النسبة إلى مثل هذه الكلمات بدون الألف والنون[4].

 

ولكن بالرجوع إلى المراجع القديمة نجد عشرات الألفاظ التي نسب إليها بزيادة الألف والنون[5]، ومنها:

1، 2- بَرَّانِيٌّ وجُوَّانِيٌّ “وردت الكلمة الأخيرة بضم الجيم وفتحها”. ومن كلام سليمان: “من أصلح جُوَّانِيَّتَه بَرَّ الله بَرَّانِيَّتَه” وورد في الأثر: “من أصلح جوانيته أصلح الله برانيته”.


3- دَيْرَانِيّ، لصاحب الدير.


4- رَبَّانيّ، للحَبْر، ورب العلم، وعابد الرب.


5- رقبانيّ، لعظيم الرقبة، غليظها.


6- روحانيّ، لما خلق روحا بغير جسد، كالملائكة والجن.


7- روحانيّ، نسبة إلى الروح.


8- شعرانيّ، لكثير شعر الرأس والجسد، طويله.


9- لحيانيّ، لطويل اللحية، عظيمها.


10، 11- جثمانيّ، وجسمانيّ، لضخم الجثة.,


12، 13- مخبرانيّ ومنظرانيّ، لحسن المخبر والمنظر.

 

وقد ذكر المعجم الوسيط كلمات أخرى تنسب بزيادة الألف والنون مثل حق وحقاني[6]، وتحت وتحتاني، وذكر المعجم العربي الأساسي كلمات مثل فوقاني، وعقلاني، وعلماني.


ومن يتأمل الأمثلة السابقة وغيرها، وينظر في تعليقات اللغويين عليها يلاحظ أن الألف والنون قد زيدتا لإفادة معنى المبالغة في الوصف. ولعل هذا يسمح لنا بالقول إن هذه الزيادة قد وقعت قبل النسب، وإن النسب جاء بزيادة الياء المشددة فقط. ويدل على ذلك ما صرحت به المعاجم بالنسبة لكلمة “رقباني”،فقد ورد في لسان العرب بجانبها كلمة “الأرقب”. كما ذكر ابن دريد في جمهرته[7]، أنه يقال كذلك رجل رقبان[8]. وقد لمح معنى المبالغة عن طريق زيادة الألف والنون ابن منظور في لسان العرب حين قال: الرباني: الذي يعبد الرب. زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب. ولعل هذا المعنى هو الذي سمح لسيبويه أن يقول: زادوا ألفًا ونونًا في الرباني وإذا أرادوا تخصيصًا بعلم الرب دون غيره. كأن معناه: “صاحب علم الرب دون غيره من العلوم”.


وبهذا يتبين أنه لا حرج إذا أريد المبالغة في الصفة أن يزاد قبل النسب ألف ونون، ولا يصح اعتبار هذا من شواذ النسب، أو من أخطاء المحدثين.


د- النسب بزيادة الواو:

تكثر الآن في لغة الإعلام العربي كلمات زيدت فيها واو قبل النسب مثل: وحدوي وسلطوي، وتعبوي، وبنيوي. ولعل هذه الواو الزائدة قد جلبت بنوع من القياس الخاطئ على كلمات مثل تربوي، وتصفوي “نسبة إلى تربية وتصفية” مما تقع ياؤه رابعة في لفظ المنسوب إليه، فيكون إبدال يائها واوا عند النسب أمرًا قياسيًّا.


وقد اختلفت الآراء في صحة هذه النسبة[9] إلى أن حسمها مجمع اللغة العربية بالقاهرة بقراره: “يجوز استعمال وحدوي ووحدوية نسبة على غير قياس لشيوع استعمالها”.


هـ- النسب بإبقاء تاء التأنيث:

يكثر هذا في لغة المعاصرين في كلمتين اثنتين هما:

1- حياتي، نسبة إلى “حياة”.


2- ذاتي، نسبة إلى “ذات”.

والقياس فيهما: حيوي، وذووي.

 

ولكن الاستعمال الحديث فضل تجنب اللبس في الكلمة الأولى على الالتزام بالقاعدة حين فرق بين كلمتي: حيوي وحياتي، كما يبدو من الاستعمالات الآتية:

* هذه مشكلة حياتية- في أموره الحياتية.

* مصالح حيوية- يتمتع بالنشاط والحيوية.

 

 

كما فضل بالنسبة لكلمة ذات إبقاء الكلمة على نطقها حتى لا تخفى الصلة بين كلمتي المنسوب والمنسوب إليه، لو قيل ذَوَوِيّ[10]، وحتى لا تلتبس بصيغة المذكر “ذو”.


وقد أفرط المحدثون في استخدام كلمة ذاتي حتى أدخلوها في تعبيرات كثيرة مثل:
دافع ذاتي، تفكير ذاتي، اكتفاء ذاتي، تمويل ذاتي، حكم ذاتي، سيرة ذاتية، نقد ذاتي، عيب ذاتي، الذاتية والموضوعية[11] … إلخ.


و النسب إلى كلمة “رئيس”:

يكثر في لغة الإعلام الآن النسب إلى كلمة “رئيس”، فيقال: “فكرة رئيسية”، و “قضية رئيسية”، و “متحدث رئيسي”، ونحو ذلك.


وقد حكم بتخطئته كل من مصطفى جواد ومحمد العدناني على أساس أن كلمة رئيس نفسها صفة مصوغة على “فَعِيل” وليس من المعروف عند العرب إضافة ياء النسب التي تفيد الصفة إلى ما هو صفة فعلا.


ولم أسمع كلمة “رئيس” في هذا السياق من إذاعة القاهرة إلا مرة واحدة على لسان أحد المراسلين حين قال: العناوين الرئيسة، ثم تبين أن القائل مراسل سعودي.

 

 

وحينما عرض الأمر على مجمع اللغة العربية بالقاهرة انقسم الرأي حوله بين مؤيد ومعارض. وانتهى المجمع إلى حسم الخلاف في صورة قرار يقول: يستعمل بعض الكتاب: العضو الرئيسي، أو الشخصيات الرئيسية، وينكر ذلك كثيرون. وترى اللجنة تسويغ هذا الاستعمال بشرط أن يكون المنسوب إليه أمرًا من شأنه أن يندرج تحته أفراد متعددة.


وممن دافع عن كلمة “رئيسي” فوزي الشايب في مقال له بمجلة مجمع اللغة العربية الأردني، وكان من أبرز حججه:

1- أن النسب إلى الصفة وارد في كلام العرب، وفي القرآن الكريم، كقوله تعالى: {أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيّ} . حيث نسب إلى لفظ “أعجم” وهو صفة مشبهة، ومما ورد عن العرب كذلك “أكثري” و “ألي”، و “باطليّ”، و”حنيفيّ”، و “ظاهريّ”و “غريبيّ”.


2- أن من النحاة من أجاز النسب إلى الصفة.


3- أن كلمة رئيس قد وردت في كلام للقلقشندي صاحب صبح الأعشى، وهو قوله: “وأما استيفاء الدولة فهي وظيفة رئيسية”[12].

 

المصدر: أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتّاب والإذاعيين

 


[1] مِن تَجّوز في الأمر: تَرَخّص وخفّف. وفي حديث علي: تجوّزوا في الصلاة.

[2] صادفتني كذلك بعض أمثلة من النسب إلى جمع المؤنث السالم على لفظه مثل: “اعتبارات عملياتية”، أحمد زهران- الأهرام2/2/1991 وهي نسبة تمنع اللبس فيما لو نسب إلى المفرد فقيل: عملية.

[3] قل ولا تقل ص61، 62.

[4] انظر مادة: نفسي.

[5] ارجع في ذلك إلى: لسان العرب، وهمع الهوامع 6/ 174، والأشموني 4/ 202، وديوان الأدب 3/ 385، وأزاهير الفصحى لعباس أبو السعود ص357 وما بعدها.

[6] كانت وزارة العدل في مصر حتى وقت قريب تسمى “وزارة الحقانية”.

[7] الجمهرة 1/ 271.

[8] لاحظ كذلك أن كلمتي جثمان وجسمان قد وردتا في المعاجم بدون نسبة. ولاحظ أيضا أن العرب نسبوا إلى “أنا “بزيادة النون فقالوا: أناني.

[9] ممن خطأها محمد العدناني في معجم الأخطاء الشائعة.

[10] في اللسان “ذو وذوات” أنك تقول: ذَوَوِيّ، إذا نسبت إلى ذات لأن التاء تحذف في النسبة.

[11] ذهب بعض النحويين في القديم إلى جواز إبقاء التاء في النسب فيما تاؤه لازمة، مثل: أخت، وبنت.

[12] سبقه إلى هذا القياس مصطفى جواد في “قل ولا تقل” “ص151″، ولكن فوزي الشايب قد أغفل -مع الأسف- الإشارة إلى ذلك.

ترك تعليق