كتبه: أبو القاسم الزَّجَّاجي
المحقق: الدكتور مازن المبارك

 

اعلم أن التنوين يدخل في الكلام لثلاثة معان:

أحدها الفرق بين المتمكّن الخفيف في الأسماء، وبين الثقيل الذي ليس بمتمكن، كذلك قال سيبويه: والتنوين علامة للأمكن عندهم، وتركه علامة الما يستثقلون فجعله سيبويه فارقاً بين المتصرّف من الأسماء وغير المتصرّف وجعله لازماً للمتصرف لخفته.

وقال الفرَّاء التنوين فارق بين الأسماء والأفعال. فقيل له: فهلا جُعل لازماً للأفعال؟ فقال: الأفعال ثقيلة، والأسماء خفيفة، فجعل لازماً للأخف. وهذا القول مأخوذ من الأول. لأن ما لا ينصرف مضارع الفعل، وقد رجع ذلك إلى معنى واحد.

وقال بعض الكوفيين، التنوين فاصل بين المفرد والمضاف. وهذا أحد المعاني التي يدخل لها التنوين.

والمعنى الثاني أن يكون عِوضاً من محذوف من الكلمة. وذلك قولك هؤلاء حوارٍ وسوارٍ وغواشٍ وقواصٍ. وذلك أن التنوين في هذا الجنس عوض من نقصان البناء، ولذلك صار لازماً. وأصله جواري وسواري، فاستثقلت الضمة في الياء المكسور ما قبلها. وكذلك كان في حال الجر، مررت بجواري وسواري مثلاً، فاستثقلت للكسرة قبلها أيضاً فأسكنت، فلمّا سكنت نقص البناء، فأدخل عليه التنوين عوضاً من نقص البناء، فسقطت الياء لسكونها وسكون التنوين بعدها، فقيل جوارٍ يا هذا. فهذا في حال الرفع والجر منوَّن كما ترى تقول هؤلاء جوارٍ وسوارٍ، ومررت بجوارٍ وغواشٍ. ولولا أن التنوين عوض من نقصان البناء؛ لما دخله التنوين، لأن هذا المثال لا ينصرف على حال في معرفة ولا نكرة إذا لم يكن معتل اللام، نحو مساجد ومضارب، فإذا صرت إلى حال النصب وفَّيته حظه من الإعراب، لخفة الفتحة فمنعته الصرف، فقلت: رأيت جواريَ وغواشيَ وسواريَ. لأنه حين تم بناؤه رجع إلى أصله فلم ينصرف لذلك فالتنوين في هذا الجنس من الأسماء عوض من نقصان البناء كما ترى. فإن كان من هذا الجنس المعتل اللام ما ينصرف نظيره، جعلته مصروفاً في النصب فقلت هذا قاض وغازٍ ورامٍ، ومررت بقاضٍ وغازٍ ورامٍ، ورأيت قاضياً وغازياً ورامياً، فصرفته. فإن سميت امرأة باسم من هذه الأسماء، كان في حال الرفع والخفض منوَّناً في المعرفة، وفي حال النصب غير منون، فقلت في امرأة اسمها قاضي: هذه قاض، ومررت بقاض، ورأيت قاضيَ فاعلم فلم تصرفها في حال النصب، لأن المذكر إذا سشمي به مؤنث لم يصرف في المعرفة، قلَّت حروفه أو كثرت وإنما نونته في حال الرفع والخفض، كما نونت جواري واغواشي، لأن التنوين فيه عوض من نقصان البناء. والفرق بين قاض وغاز وبابه، وبين جوار وغواش وبابه، أن قاضياً وما أشبهه مستحق للتنوين منصرف. قلما لحقه النقصان في حال الرفع والخفض، صار فيه عوضاً من نقصان البناء فلزمه، وباب جوار وغواش غير مستحق للتنوين، لأنه من باب مساجد وضوارب، فلما لحقه النقصان أدخل عليه التنوين عوضاً من نقصان البناء.

والمعنى الثالث الذي يدخل التنوين من أجلاه، هو أن يكون فرقاً بين الأسماء المعرفة والنكرة في بعض الأسماء خاصة. وهي الأسماء التي في أواخرها زوائد من الألفاظ الأعجمية نحو عمرويه وبكرويه وسيبويه وما أشبه ذلك، لأن هذه الأسماء لما جاءت في أواخرها ألفاظ ليست في كلام العرب استثقلوها، فأجروها مجرى الأصوات، منعوها الإعراب، وبنوها على الكسر لسكون ما قبل أواخرها فيقولون هذا عمرويهِ، وبكرويهِ، ورأيت عمرويهِ وبكرويهِ، ومررت بعمرويهِ وبكرويهِ، بالكسر في كل حال. فإذا أرادوا تنكيرها نوَّنوها، فقالوا هذا عمرويهِ ومررت بعمرويهٍ آخر، فجعلوا التنوين دليلاً على المنكور منها، وكذلك الأصوات وحكاياتها، يقال: قال الغراب غاقِ، إذا أرادوا التعريف كأنهم قالوا قال الصوت الذي تعرف وسمعت به، فلم ينوِّنوه. وإذا أرادوا التنكير نوَّنوا، فقالوا: قال الغراب غاقٍ يا هذا، كأنهم قالوا: قال صوتاً من الأصوات. وكذلك جميع الأصوات والحكايات والزجر، يفرّق بين معرفتها ونكرتها بالتنوين.

المصدر: الإيضاح في علل النحو

ترك تعليق