المؤلف: أبو العباس، أحمد بن محمد النحوي

ومن ذلك قوله في باب الأمر والنهي: زيدا فاضربه، قال: كأنه قال: اضرب زيدا، ثم جعل هذا تفسيره، أو يكون أراد عليك زيدا فاضربه.

 

قال محمد: أما التفسير الآخر فلا يرفع، وأما الأول فلا أرى فيه لإدخال الفاء معنى، لأن المفسر لما حذفت لا يكون معطوفا، ألا ترى أنك لو قلت: أزيدا فضربته لم يجز، وإذا قلت: عليك زيدا فاضربه، فالمعنى لـ (عليك) وليست المضمرة، لأنها ليست مما يضمر، ولكنك أضمرت (انظر زيدا) وأشباهه في معنى الإغراء، وأبو عثمان والأخفش يزعمان أن الفاء في هذا الموضع تستعمل زائدة.

 

وقال أبو الحسن في الكتاب في هذا الباب: إذا قلت: زيدا فاضرب، فالعامل هذا الفعل الذي أضمرت بعينه، والدليل على ذلك قولك: بزيد فامرر، فالعامل امرر، والفاء معلقة، أي: تعلق الفعل بالاسم الذي قبله.

قال محمد: جملة القول في هذا الباب أن الفاء زائدة في الأمر والنهي لمضارعتها الجزاء.

 

قال أحمد: قد رجع محمد في آخر كلامه عما ابتدأ به في أوله، لأنه رأى في أول القول أن إدخالها خطأ، ثم ركن إلى قول الأخفش في أنها زائدة، وكأنه رأى بذلك أنه قد رجع إلى مذهب سيبويه وليس برجوع إليه، والذي رآه من أنها زائدة غلط، وذلك أنها لو كانت زائدة، والفعل فهو لا محالة عامل في الاسم الذي قبله على ما قاله الأخفش، لجاز أن تقول: فاضرب زيدا في الابتداء، لأن (فاضرب) هي العاملة في زيد كما كنا نقول: زيدا اضرب واضرب زيدا، وبزيد امرر، وامرر بزيد، فلو كانت الفاء زائدة كان دخولها كخروجها، وابتدئ بالفعل معها قبل الاسم.


‌‌مسألة في باب كان وأخواتها


والقول في ذلك عندي -وهو مذهب سيبويه- أن الفاء معلقة بكلام تقدم أو بحال أُبصِرت، كرجل رئي متهيئا للمرور فقيل له: بزيد فامرر، ولو ابتدئ بالفاء على هذا لكان جائزا، لأن معنى الكلام إن كنت لا بد مارا فامرر بزيد، وكذلك إن سمع قائلا يذكر المرور أو الضرب قال له فاضرب زيدا، أي: إن كنت لا بد ضاربا فاضرب زيدا.

 

وأما قول الأخفش: إن الفاء معلقة في قولك: بزيد فامرر بهذا الفعل فصحيح، وإنما أنكرنا قوله: إن الفاء زائدة.


مسألة: إلا بحرف جر، كما أن ذهبت أصله ألا يتعدى إلا بحرف


وأما قول محمد: إن المفسر لا يكون معطوفا في قولك: زيدا فاضربه، فالمفسر إنما يكون تفسير ما هو مثله، وإذا كنا نقدر أن الفاء جائزة في الابتداء على التأويل الذي ذكرناه والمعني الذي قدمنا أن نجعلها معلقة بحال نشاهدها أو كلمة نسمعها، فهي مقدرة في الفعل المضمر كما كانت في الفعل المظهر، وقد ذكر سيبويه أمثال هذه [المسألة] على النحو الذي تأولناه فيما يضمر.

 

الانتصار لسيبويه على المبرد