المؤلف: أبو القاسم الزَّجَّاجي
المحقق: الدكتور مازن المبارك

فإن قال قائل:

فما الفائدة في تعلم النحو، وأكثر الناس يتكلمون على سجيتهم بغير إعراب، ولا معرفة منهم به، فيَفهمون ويُفهمون غيرهم مثل ذلك؟

فالجواب في ذلك أن يقال له: الفائدة فيه الوصول إلى التكلّم بكلام العرب على الحقيقة صواباً غير مبدل ولا مغيّر، وتقويم كتاب الله عز وجل، الذي هو أصل الدين والدنيا والمعتمد، ومعرفة أخبار النبي صلى الله عليه وسلمن وإقامة معانيها على الحقيقة. لأنه لا تفهم معانيها على صحة إلا بتوفيتها حقوقها من الإعراب. وهذا ما لا يدفعه أحد ممن نظر في أحاديثه صلى الله عليه وسلم وكلامه. وقد قال الله عز وجل في وصف كتابه ﴿ إنا أنزلناه قرآناً عربياً ﴾. وقال ﴿ بلسانٍ عربيٍّ مبين ﴾ وقال ﴿ وقرآنا عربياً غير ذي عِوَج ﴾ فوصفه بالاستقامة كما وصفه بالبيان في قوله ﴿ بلسان عربيٍّ مبين ﴾ وكما وصفه بالعدل في قوله ﴿ وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ﴾.

وأخبرنا أبو إسحق الزجّاج قال: سمعت أبا العباس المبرِّد يقول: كان بعض السلف يقول عليكم بالعربية، فإنها المروءة الظاهرة، وهي كلام الله عز وجل وأنبيائه وملائكته.

وقال ابن عباس: ما أنزل الله تعالى كتاباً إلا بالعربية، ثم ترجم لكل نبي على لسان أمته وقال عمر بن الخطاب: عليكم بالعربية، فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة.

وقال عمر أيضاً: لأن أقرأ فأخطي أحبُّ إليّ من أن أقرأ فألحن. لأني إذا أخطأت رجعت، وإذا لحنت افتريت.

وقال أبو بكر وعمر: تعلُّم إعراب القرآن أحب إلينا من تعلم حروفه. وقال عمر لقوم رموا فأساؤوا الرمي فقال: بئس ما رميتم. فقالوا: إنا قوم متعلمين فقالك والله لخطؤكم في كلامكم أشد من خطئكم في رميكم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول “رحم الله امرأً أصلح من لسانه” وقال بعض السلف: ربما دعوت فلحنت، فأخاف ألاّ يُستجاب لي. وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام “قيمة كل امرئ ما يحسن” وهذا قول جامع في فنون العلم.

وبعد فأدب العرب وديوانها هو الشعر، ولن يمكن أحداً من المولدين إقامته إلا بمعرفة النحو. ولا يطيق أحد من المتكلفين قول الشعر أن يتعاطى قوله إلا بعد إتقانه وجوه العربية، فإن تكلفه منهم متكلف، غير عارف بالعربية. خبط في عشواء، وبان عرواه للخاصة في أقرب مدة.

وهذا باب يطول جداً، أعني مدح العربية والنحو، وفيما ذكرت منه مقنع في هذا الموضع. فأما من تكلم من العامة بالعربية بغير إعراب فيُفهم عنه، فإنما ذلك في المتعارف المشهور والمستعمل المألوف بالدراية. ولو التجأ أحدهم إلى الإيضاح عن معنىً ملتبس بغيره، من غير فهمه بالإعراب، لم يمكنه ذلك. وهذا أوضح من أن يُحتاج إلى الإطالة فيه.

الإيضاح في علل النحو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات مشابهة

ترك تعليق