‌‌ألغاز ذكرها الصلاح الصفدي

قال الصلاح الصفدي في (تذكرته) أنشدني من لفظه القاضي جمال الدين إبراهيم لوالده القاضي شهاب الدين محمود لغزًا كتبه إلى شيخه مجد الدين بن الظهير في (من):

وما مفردُ اللفظِ مُستعمل 
لجمع الذكورِ وجمع الإناثْ 
يحرك بالحركات الثلاث 
فيغدُو من الكلماتِ الثلاثْ 

فكتب إليه الشيخ مجد الدين الجواب:

قريضُك يا ملغزًا في اسم من 
يميل إلي صِلة كَالذي 
غدا حاملُ المسك يحذي الجلي 
سَ منه ويحظى بعرف شَذى 

قال الصلاح الصفدي: وأنشدني من لفظه المولى ناصر الدين محمد بن النسائي الجواب عن ذلك:

أيا من عَلا في الوَرَى قدرُه
وأضحَى لِرَاجيه أولى غياثِ 
أتى مِنْك لغزٌ فألفيتُه 
من القولِ قد حَلَّ بعد اكتراثِ 
وَها هُو حرفان مِيمٌ ونونٌ
ولم يبلغْ القول منه الثلاث
هو اسمٌ وفعلٌ وحَرف إذا
أردت حصول الأصولِ الثلاث
فلا زلت للخيرِ مهما حييت
تنبعثُ الدهرَ أيّ انبعاث

لغز للعلامة جمال الدين بن الحاجب رحمه الله تعالى:

أيها العالم بالتصري
ف لَا زِلتَ تَحيا
قَال قومٌ إنَّ يَحْيَى
إِن يُصَغَّر فيحيا
وأبى قومٌ فقالوا
ليس هذا الرأيُ حَيَّا
إِنما كان صَواب
لو أَجابوا بِيَحْيَا
كيفَ قدْ رَدُّوا يَحْيا
والذي اختاروا يَحْيَا
أتراهم فِى ضِلال
أم ترى وَجْها يَحْيَا

قال الشيخ جمال الدين بن هشام يحتاج في توجيهها إلى تقديم ثلاثة أمور.

أحدهما: أنهم اختلفوا في وزن يحيى فقيل فعلى، وقيل يفعل، والأول أرجح لأن الثاني فيه دعوى الزيادة حيث لا حاجة.

 

الثاني: أن الحرف التالي لياء التصغير حقه الكسر كتالي ألف التكسير حملاً لعلامة التقليل على علامة التكثير حملاً للنقيض على النقيض، واستثنى من ذلك:

أن يكون ذلك الحرف متلوا بألف التأنيث كحُبْلَى – صونًا لها من الانقلاب.

 

الثالث: أنه إذا اجتمع في آخر المصغر ثلاث ياءات فإن كانت الثانية زائدة وجب بالإجماع حذف الثالثة منسية لا منوية، كعطاء إذا صغرته تقول عُطَيِىِّ بثلاث ياءات ياء التصغير والياء المنقلبة عن ألف المد والياء المنقلبة عن ياء الكلمة ثم تحذف الثالثة وتوقع الإعراب على ما قبلها، وإن كانت غير زائدة، فقال أبو عمرو لا تحذف لأن الاستثقال إنما كان متأكدًا لكون اثنين منها زائدين ياء التصغير والياء الأخرى الزائدة.

وقال الجمهور: تحذف نسبًا ومثال ذلك أحوى إذا صُغِّر على قولهم في تصغير أسود أسَيْد فقال أبوعمرو: أقول أحيى ثم أعله إعلال قاض رفعا وجرِّا وأثبت الياء مفتوحة نصبًا.

وقال غيره: تحذف الثالثة في الأحوال كلها نسيا، ثم اختلفوا فقال عيسى بن عمر: أصرفه لزوال وزن الفعل كما صرفت خيرًا وشرا لذلك.

وقال سيبويه: أمنع صرفه، وفرق بين خير وشر وبين هذا، فإن حرف المضارعة محذوف منها دونه، وحرف المضارعة يحرز وزن الفعل، ولهذا إذا سميت بييضع منعت صرفه.

 

فإذا تقرر هذا فنقول: من قال إن يحيى فعلى قال في تصغيره يحيى كما قال في تصغير حُبلى حُبَيْلى صونًا لعلامة التأنيث عن الانقلاب وهو الذي قال الناظم رحمه الله مشيرًا إليه: قال قوم – البيت.

 

ومن قال إنه يفعل قال فيه على قول سيبويه -رحمه الله تعالى- يحيى بالحذف ومنع الصرف، وهو الذي أشار إليه قوله “إنما كان صوابًا لو أجابوا بيحيى”، وذلك لأنه استعمله مجرورًا بفتحة ثم أشبع الفتحة للقافية وتكمل له بذلك ما أراده من الإلغاز.

 

حيث صار في اللفظ على صورة ما أجاب به الأولون، والفرق بينهما ما ذكرنا من أن هذه الألف ألف إشباع وهى من كلام الناظم لا من الجواب، والألف في جواب الأولين للتأنيث وهى من تمام الاسم.

فإن قيل: فإذا لم تكن على الجواب التاء للتأنيث فما بال الحرف

الدال على التصغير لم يكسر بعده؟

فالجواب: أنه لما صار متعقب الإعراب تعذر ذلك فيه كما في زبيد؛ لأن ذلك يقتضي الإخلال بالإعراب، وأيضًا فإن ياء التصغير لا يكمل شبهها بألف التكسير إلا إذا كان بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن – والله أعلم.

المصدر: الألغاز النحوية = الطراز في الألغاز

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق