المؤلف: أبو القاسم الزَّجَّاجي
المحقق: الدكتور مازن المبارك

 

قد حد النحويون هذه الأشياء على ضروب. وذكر كلها يطول ويطيل الكتاب، وقد شرطنا الاختصار والإيجاز، فنذكر أجود ما قيل في ذلك، والمختار منه، وما يلزم من خالف، وما اخترناه، وبالله التوفيق.

حد الفعل:

الفعل على أوضاع النحويين، ما دل على حدث، وزمان ماض أو مستقبل نحو قام يقوم: وقعد يقعد، وما أشبه ذلك. والحدث المصدر. فكل شيء دل على ما ذكرناه معاً فهو فعل. فإن دل على حدث وحده فهو مصدر؛ نحو الضرب والحمد والقتل. وإن دل على زمان فقط فهو ظرف من زمان. وهذا معنى قول سيبويه “وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبُنيت لما مضى ولما يكون ولما هو كائن لم ينقطع”. وقد أشبعت المعنى في تفسير كلام سيبويه هذا، في تفسير رسالته فكرهت الإطالة بإعادته ها هنا، لأنه ليس موضعه.

وحد بعض النحويين الفعل بأن قال: هو ما كان صفة غير موصوف؛ نحو قولك: هذا رجل يقوم. فيقول صفة لرجل؛ ولا يجوز أن تصف يقوم بشيء. قيل له فإن الظروف قد تكون صفات للأسماء، ولا توصف هي. فقال: الظروف واقعة مواقع الأفعال، فالأفعال على الحقيقة هي التي يوصف بها. وليس ما قاله بشيء، لأنا قد نرى الظروف توصف في قولنا: مكاناً طيباً، ومكاناً حسناً وجلسنا مجلساً واسعاً، وما أشبه ذلك.

وقد ذكرنا أن الأفعال عبارة عن حركات الفاعلين، وليست في الحقيقة أفعالاً للفاعلين، إنما هي عبارة عن أفعالهم، وأفعال المعبرين عن تلك الأفعال. وإن كان ذلك كما ذكرنا، والحركة لا تبقى وقتين، بطل من ذلك أن يكون فعل دائم. فمحال قول من قال من الكوفيين فعل دائم. ونحن نذكر حقيقة القول في فعل الحال في موضعه إن شاء الله.

حد الحرف:

الحروف على ثلاثة أضرب، حروف المعجم التي هي أصل مدار الألسن عربيها وعجميها، وحروف الأسماء والأفعال. والحروف التي هي أبعاضها نحو العين من جعفر والضاد من ضرب وما أشبه ذلك، ونحو النون من أن واللام من لم وما أشبه ذلك. وحروف المعاني التي تجئ مع الأسماء والأفعال لمعان.

فأما حروف المعجم فهي أصوات غير متوافقة، ولا مقترنة، ولا دالة على معنى من معاني الأسماء والأفعال والحروف، إلا أنها أصل تركيبها.

وأما الحروف التي هي أبعاض الكلم، فالبعض حد منسوب إلى ما هو أكثر منه، كما أن الكل منسوب إلى ما هو أصغر منه.

وأما حد حروف المعاني وهو الذي يلتمسه النحويون، فهو أن يقال: الحرف ما دل على معنى في غيره، نحو من وإلى وثم وما أشبه ذلك. وشرحه أن “من” تدخل في الكلام للتبعيض، فهي تدل على تبعيض غيرها، لا على تبعيضها نفسها، وكذلك إذا كانت لابتداء الغاية، كانت غاية غيرها. وكذلك سائر وجوهها. وكذلك “إلى” تدل على المنتهى، فهي تدل على منتهى غيرها، لا على منتهاها نفسها، وكذلك سائر حروف المعاني.

وقال بعض النحويين: الحرف ما خلا من دليل الاسم والفعل. وقال آخرون: الحرف ما لا يستغنى عن جملة يقوم بها نحو: لن يقوم زيد، وما خرج بكر، وإن أخاك شاخص، وإن محمداً في الدار. لابد أن يكون بعده إسمان، أو اسم وفعل، أو اسم وظرف. وهذا وصف للحرف صحيح ليس بحد له. وقال بعضهم: الحرف ما خلا من دليلي الاسم والفعل، فلم يسغ فيه شيء مما ساغ فيهما. وهذا وصف للحرف وليس بحد له، وحده ما ذكرته لك.

وأما القول في الفعل والمصدر، وأيهما مأخوذ من صاحبه، فإنا نذكره بعقب هذا الباب إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات مشابهة

ترك تعليق