السنة

ولا ننسى أنه قد نزل عليه غير القرآن، لكنّه ليس لفظيا، وإنّما بالمعنى الموحى، ويدعى بـ(السنّة).
والسنة نوعان:

1- حديث قدسيّ.

2- حديث نبوي.

ثم إنّ الحديث القدسيّ عدّ من كلام الله- لكنه من فهم جبريل لأمر الحق سبحانه، فعبّر عن فهمه للأمر، دون التقيّد بالألفاظ، بينما الحديث النبويّ أوحيت معانيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون نسبتها إلى الربّ جلّ وعزّ، فعبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفاظه وأسلوبه.


ولدى الدراسة للتنزيل بأنواعه الثلاثة، نجد الفارق بينها واضحا فالقرآن له أسلوب، والحديث القدسي له أسلوب، والحديث النبويّ له أسلوب.


نقاط التمايز:

وهناك نقاط للتمايز بين الأنواع الثلاثة، من الضروري معرفتها، أوجز هنا أهمّها:
1 – القرآن معجز كله، بسائر ألفاظه، بينما السنّة خالية منه، خلا بعضها ممّا يخصّ النّبوءات.

2 – القرآن أوحي بألفاظه اتفاقا، بينما السنة بالمعاني التنزيلية.

3 – القرآن متعبّد بتلاوته، بينما السنة خلاف ذلك.

4 – القرآن يمنع مسّه إلّا بالطهارة، أما السنة: فلا


القرآن نزل منجما:

وتميّز القرآن عن غيره من الكتب السماوية، أنه لم ينزل جملة واحدة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّما نزل منجّما على مدار ثلاث وعشرين سنة تقريبا.


وما ذاك إلّا لأسباب، وحكم، وأسرار، ترشح بخلوده، وعموميّته على أهل البسيطة.


وأصل نزوله منجّما، آيات بينات:
1 – قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا[1].
2 – ﴿ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ الفرقان/ 32 – 33/.


وكانت الآيات هذه ردا على مقولة الكفار من يهود ومشركين حين عابوا عليه ذلك، وقالوا:
لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة، كما نزلت التوراة على موسى.
ودلّ الردّ هذا، على أمرين اثنين:
1 – أن القرآن نزل مفرّقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 – أنّ الكتب السماوية من قبله نزلت جملة واحدة.


أسرار التنزيل منجّما:
وكما تقدم لم ينزل الله قرآنه منجّما دونما حكم وأسرار وراء ذلك، وإنما هناك حكم وأسرار أشير إلى بعضها في قرآنه، واستخرج بعضها الآخر، من تضاعيف، ومرامي آية.


وإليك جملة من الحكم التنزيلية:

الحكمة الأولى أنزل منجّما، ليثبّت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوّيه، فتجدد الوحي عليه، وتكرار النزول، ليشرح صدره، ويضفي عليه عناية، وتجليات دائمة.


وبالتالي ييسّر حفظه وفهمه، ومعرفة أحكامه.
وهذه بمجموعها، تسهم في تقوية القلب وتمكينه.
قال الله تعالى ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ[2].
وفيه تسلية له، وانشراح لصدره (صلى الله عليه وسلم).
قال تعالى… ﴿كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾… الفرقان/ 32/.


الحكمة الثانية التدرّج في تربية الأمّة، حتى تتأسس على قواعد متينة من الإيمان، والأخلاق، والتعامل الحسن، وتنطلق للعمل الصالح من خلالها بعد ما رسخت في العقل، والقلب.


ويندرج تحت هذه الحكمة أمور.
1 – يتيسّر حفظ القرآن على الأمّة العربية، نظرا لأنها أمة أميّة ولم تتوفّر أدوات الكتابة لدى كاتبيها بعد، وهم نادرون فلو نزل القرآن دفعة واحدة لعجزوا عن حفظه.
فاقتضت الحكمة العليا أن ينزل منجّما.


2 – يسهّل فهمه على العرب.


3 – يمهّد التنجيم لتخليتهم عن عقائدهم الباطلة، وعبادتهم الفاسدة، وعاداتهم المرذولة، ولن يتمّ هذا إلّا بسبيل التدرج وتلك سياسة رشيدة.


4 – يمهّد لتحليهم بالعقائد الفطرية، والعبادات الصحيحة، والأخلاق الكريمة.


5 – تثبيت قلوب المؤمنين، وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين.
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ الإسراء ﴾ 106. ﴿ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا الفرقان ﴾/ 32/.

الحكمة الثالثة مسايرة الحوادث والطوارئ:
وتنتظم الحكمة هذه أمورا أربعة، تتجسّد من خلالها الحكمة من النزول منجّما، وأنّه الحسم في أي مسألة شائكة قد وقعت، أو سؤال محرج قد طرح.


1 – كان ينزل القرآن ليجيب السائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم امتحانا وإحراجا، فيكبت الممتحنين له، ويثبته على رسالته.


مثال ذلك… قوله تعالى ﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ الإسراء/ 85/.


أو ليجيب على سؤال بغرض التنوّر، ومعرفة حكم الله، وهؤلاء هم المؤمنون، ومريدو الحقّ.
مثاله. قوله تعالى ﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ﴾ البقرة/ 220/.


ونوعية هذا التنزّل، تساهم بفاعلية كبيرة، لتأسيس هذا الدين في القلوب، ورسم الخطوط العريضة لنهجه، حتى يسير الناس عليه- علما وعملا.


2 – كان نزوله مفرّقا ليجاري الأقضية، والوقائع. مثاله قوله تعالى:
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ المجادلة/ 1 – 3/.


ثلاث آيات لحلّ قضية امرأة، ظاهر منها زوجها، كادت أن تضيع فنزل حل إسلامي قد حفظها، وأدّب زوجها.


3 – إيقاظ المسلمين إلى أخطائهم، وتصحيحها، وإرشادهم إلى شاكلة الصواب.
مثال. قوله تعالى﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ … التوبة/ 25/.
لقّنت الآية هذه المسلمين درسا لا ينسى، وأثابتهم إلى جادة العقيدة الصحيحة.


4 – مطاردة الأعداء، وكشف مؤامراتهم، خطوة بخطوة، مما ساعد على تثبيت أركان الإسلام، وتمتين بنائه.
مثاله. قوله تعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ البقرة/ 207/.
وهنا كانت فضيحة المنافقين.


وهناك حكم أخرى لم يتسع المكان
لها فتركتها، وأثبتّ ما يهمنا، وما يسهم في تنشئة جيل واعد مؤمن.



[1] الإسراء/ 106/.

[2] هود/ 120/.

ترك تعليق