شمولية مفهوم العبادة في الإسلام

كثيرٌ من الناس في العصر الحديث يَقصر مفهوم العبادة على الشعائر التعبُّدية؛ من صلاة، وصيام، وزكاة، وحَج وعُمرة، ثم من قراءة للقرآن، وغير ذلك من الأفعال التعبدية الصالحة.

 

لكنَّ الناظرَ إلى النصوص الشرعية، يجد أنها لا تتكلم عن العبادة بمثل هذا المفهوم القاصر، بل سنرى مفهومًا شاملاً عامًّا يشمل كل أركان حياتنا، وهذا هو المفهوم الذي أريدُ تصحيحَه من خلال هذه المقالةِ، وأُثبت أن العبادةَ إنما هي شاملة متكاملة لكل نواحي حياتنا.

 

ولنبدأ بهذا السؤال: هل العبادة مقصورة على الشعائر التعبدية كما يظن كثيرٌ من الناس؟ هل العبادةُ في الإسلامِ تَشمل فقط العقائدَ والعباداتِ، وليس لها علاقة بالأخلاق والسلوكيات والمعاملات المجتمعية؟

 

إن الناظرَ في القرآن والسنة النبوية، سيرى أن العبادةَ تختلف تمامًا في معناها ومفهومها عن ذلك المفهوم الذي نَعنيه عند ذكر كلمة (العبادة)؛ ذلك أن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة قد ذكَرا العبادة بشمولية مُطلقة؛ فقد تكلَّما عن أن العبادة تشمل كلَّ جزئية من جزئيات حياة الإنسان، ولكن يشترط في ذلك: الإيمانُ بالله -عز وجل- وإخلاص النية له -سبحانه وتعالى- وأن يكون عملاً مما يرضى عنه الله – عز وجل.

 

وسأكتفي بذكرِ دليلين من القرآن الكريم؛ لأُدلل على شمولية العبادة في الإسلام؛ يقول الله -جل وعلا- في سورة الذاريات: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ويقول الله -جل وعلا- في سورة الأنعام: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

إن المتدبِّر لهاتين الآيتين، سيرى أن العبادة المقصودة من الآية الأولى، وشمولية إخلاص النيات في الآية الثانية – هي الأدلة الدامغة على أن العبادة في الإسلام شاملةٌ لكل جزئية من جزئيات حياتنا، والضابط في ذلك: أن تكون مما يرضى اللهُ -عز وجل- عنه، وأن يُخلص في فعْلها.

 

فأما الآية الأولى، فليس المقصود بها الشعائرَ التعبدية فحسب، بل المقصود كما وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عند حديثه عن مفهوم العبادة قائلاً: “العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة“، وهذا هو المفهوم العام الذي أتكلم عنه، ونَفهم من خلاله الآية الثانية؛ إذ ليس المقصود من الآيتين أن يظلَّ الإنسان قابعًا في المسجدِ يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؛ لكي يحقِّق المقصد من خَلقِه كما في الآية الأولى، ولتكون حياته كلُّها لله -عز وجل- كما في الآية الثانية، بل إن المقصود أن هناك عباداتٍ أساسيةً، وهي الأشياء التي أمرنا الإسلام بفعْلها، والأشياء التي نهانا الإسلام عن إتيانها.

 

وهناك عبادات فرعية، هي في الأصل من المباحات التي يفعلها الإنسانُ في يومه وليلته، لكنها قد تُحوَّل إلى عبادة عند وجود الضوابط سابقة الذِّكر.

 

فإن إخلاص النيات قد يُحوِّل العادة إلى عبادة، وقد يُحول عدمُ إخلاص النيات العبادةَ إلى عادة، فلا يُؤجر عليها الإنسانُ؛ ولذلك كانت النية الصالحة هي الفيصل في هذا الأمر.

 

ومن ثم؛ فينبغي أن يعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا أنه إن عمِل أي عمل يَرضى الله عنه، ويُخلص فيه النية لله -عز وجل- أنه مأجورٌ عليه، بل إنه عبادة من العبادات التي يتقرَّب بها إلى الله -عز وجل- ولذلك كان أحد الصحابة يقول: “إني لأحتسب نَومتي كما أحتسب قَومتي“.

ترك تعليق