‌‌مسألة باب ما يجرى مما يكون ظرفا مجرى زيد ضربته

المؤلف: أبو العباس، النحوي (المتوفى: ٣٣٢ هـ)

ومن ذلك قول سيبويه في باب ما يجرى مما يكون ظرفا مجرى زيد ضربته، قال: ويجوز في الشعر، زيد ضربت، وهو ضعيف، ثم احتج بأبيات ليس في واحد منها ضرورة، والجواز فيها بمنزلته في الكلام، لأنه لا يكسر الشعر، وذكر في الكلام مثل ذلك ووثقه، على أن الشعر في هذا والكلام واحد، والأبيات:

قد أصبحت أم الخيار تدعي *** علي ذنبا كله لم أصنع

وقوله:

فأقبلت زحفا على الركبتين *** فثوبا نسيت وثوبا أجر

وقوله:

ثلاث كلهن قتلت عمدا *** فأخزى الله رابعة تعود

وفي الكلام، شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى، وخبرنا أبو عمر الجرمي بهذا كله منصوبا، وسمعنا بعض ذلك منصوبا من الرواة.

قال أحمد: لم يزد محمد في هذه /١٢/ المسألة على أن حكى قول سيبويه، وجعل حكايته لقوله ردا عليه، ذلك أن سيبويه قال في إثر بيت أبي النجم: (وهو ضعيف، وهو بمنزلته في غير الشعر، لأن النصب لا يكسر البيت، ولا يخل به ترك إظهار الهاء).

وهذا الذي قاله محمد ورأى أنه رد عليه إذ قال: وليس في هذه الأبيات ضرورة، وإنها في الكلام والشعر واحد، هو قول سيبويه، وإنما زعم سيبويه أنه سمع ذلك مرفوعا في الشعر، ولم يقل: إنه لا يجوز إلا في الشعر، وسماعه إياه مرفوعا في الشعر من الرواة كسماعه شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى، مرفوعا في الكلام الذي جاء مثلا، وإنما يحتج لمثل هذا الشاذ بمثل مشهور أو شعر مروي، ولو جاء به مسألة محكية لم تقبل، بل قد رد عليه محمد بن يزيد ومعه هذه الشواهد المشهورة، والشعر قبيح به في الضرورة وغير الضرورة.

وأما قول محمد بن زيد: إن الجرمي سمع ذلك نصبا، فقد قال سيبويه: إن النصب أكثر وأعرف، وأغنى بذلك عن الاحتجاج عليه بقول الجرمي، ألا ترى إلى قوله: إن الرفع ضعيف، إلا أنه سمعه من العرب، شبهوه بالذي رأيت زيد، في حذف الهاء من الصلة، وحذفها من الصلة أجود، ويتلوها في الجودة حذفها من الصفة كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت، وحذفها من الخبر وهي تنوي أضعف الوجوه، وقد روى أهل الكوفة والبصرة هذه الشواهد رفعا كما رواها سيبويه، فهذا وجه الرواية.

وأما طريق المقايسة، فإذا أجازت العرب أن تنصب المفعول إذا تقدم وقد شغلت الفعل عنه بالهاء كقولهم: زيدا ضربته، فعديل هذا في الحاشية الأخرى أن تجيز زيد ضربت، فترفعه ولم تشغل الفعل عنه بالهاء في اللفظ كما نصبته وقد شغلت الفعل بالهاء، لأنهما حاشيتان متحاذيتان في الجواز، وإن كانت إحداهما أكثر في كلام العرب من الأخرى.

فأما في المقايسة فهما سواء، لأن سبيل الكلام ووجهه أن يرفع المفعول إذا تقدم وقد شغلت عنه الفعل، ونصبه ليس بالوجه، وكذلك وجه /١٣/ الكلام أن تنصب المفعول المقدم إذا لم تشغل عنه الفعل، ورفعه ضعيف على نية الهاء.

المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد

ترك تعليق