أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه

تعليم القرآن فرض كفاية، وحفظه واجب على الأمة، حتى لا ينقطع عدد التواتر فيه حفظا، ولا يتطرّق إليه التبديل والتحريف؛ روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه


المؤلف: مصطفى ديب البغا، محيى الدين ديب مستو
 
أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه
تعليم القرآن فرض كفاية، وحفظه واجب على الأمة، حتى لا ينقطع عدد التواتر فيه حفظا، ولا يتطرّق إليه التبديل والتحريف؛ روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»[1].

وقد اختلفت أنظار الفقهاء في أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه:
فذهب الجمهور- منهم مالك والشافعي- إلى جواز أخذ الأجرة على ذلك، واستدلّوا بما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»[2]، ويؤيّده ما رواه البخاري وغيره أن النبيّ عليه الصلاة والسلام جعل تعليم الرجل لامرأته القرآن مهرا لها فقال له:
«زوّجناكها بما معك من القرآن» [3].

وذهب الحنفية إلى تحريم أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه، واستدلوا بما أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت قال: علّمت ناسا من أهل الصّفة الكتاب والقرآن، فأهدى إليّ رجل منهم قوسا، فقلت: ليست لي بمال، فأرمي عليها في سبيل الله، فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليّ قوسا ممن كنت أعلّمه الكتاب والقرآن، وليست لي بمال فأرمي عليها في سبيل الله؟ فقال: «إن كنت تحبّ أن تطوّق طوقا من نار فاقبلها» [4].

وما رواه الإمام أحمد والبزار: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به»[5].

وفي حاشية العلامة ابن عابدين (رد المحتار على الدر المختار): (أن أصول المذهب تقتضي أن الإجارة على الطاعات غير صحيحة؛ لأنّ كلّ طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها؛ ولأن كل قربة تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره، فلو لم يكن أهلا لأدائها لا تقع منه، فلا يصح له أن يأخذ عليها أجرا من غيره).

ولكن المتأخرين من الحنفية أفتوا بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات للضرورة، فأجازوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن، خوفا من ضياعه، ومثله تعليم الفقه وغيره من العلوم الشرعية حتى لا يبقى الناس جهّالا في دينهم، وكذا أجازوا أخذ الأجرة على الأذان، والإمامة، والخطابة، والتدريس، والوعظ، خوفا من تعطيلها. أما قراءة القرآن على المقابر وفي الولائم والمآتم، فإنه لا يصحّ الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها.

والذي ترتاح إليه نفس المؤمن عدم اتخاذ قراءة القرآن وسيلة للتكسب أو للتسول، وعدم قراءته من غير اتعاظ أو خشية، كما يحصل في بعض مجالس الولائم والمآتم، حيث يتأوّه الناس أو يطربون لصوت القارئ، دون تدبّر أو فهم لمعنى القرآن، فهذا ولا شكّ حرام لا يجوز إقراره أو السكوت عليه.
 

[1] رواه أحمد (1/ 58) والبخاري في فضائل القرآن (4741) وأبو داود في الصلاة (1452)

[2] والترمذي في فضائل القرآن (2907).

[3] رواه البخاري في الطب (5405).

[4] رواه أبو داود في الإجارة (3416) وابن ماجة في التجارات (2158).

[5] رواه أحمد في المسند (3/ 428) وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 167) وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه ورجال أحمد ثقات.

ترك تعليق